فلهذا كان الكلام في هذه الآية الشريفة موجها إليهم.
الآية الثانية: تؤكد هذا المعنى أيضا فتقول: ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون.
إن هذا التعبير الطريف يشير للذين يعلمون ولا يعملون، ويسمعون ولا يتأثرون، وفي ظاهرهم أنهم من المؤمنين، ولكنهم لا يطيعون أوامر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، فهؤلاء لهم آذان سامعة لكل الأحاديث ويعون مفاهيمها، وبما أنهم لا يعملون بها ولا يطبقونها فكأنهم صم لا يسمعون، لأن الكلام مقدمة للعمل فلو عدم العمل فلا فائدة من أية مقدمة.
وأما المراد من هؤلاء الأشخاص الذين يحذر القرآن المسلمين لكيلا يصيروا مثلهم، فيرى بعض أنهم المنافقون الذين اتخذوا لأنفسهم مواقع في صفوف المسلمين، وقال آخرون: إنما تشير إلى طائفة من اليهود، وذهب بعض بأنهم المشركون من العرب. ولا مانع من انطباق الآية على هذه الطوائف الثلاث، وكل ذي قول بلا عمل.
ولما كان القول بلا عمل، والاستماع بلا تأثر، أحد الأمراض التي تصاب بها المجتمعات، وأساس الكثير من التخلفات، فقد جاءت الآية الأخرى لتؤكد على هذه المسألة بأسلوب آخر، فقالت: إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون (1).
ولما كان القرآن كتاب عمل فإنه ينظر إلى النتائج دائما، فيعتبر كل موجود لا فائده فيه كالمعدوم، وكل حي عديم الحركة والتأثير كالميت، وكل حاسة من حواس الانسان مفقود إذا لم تؤثر فيه تأثيرا ايجابيا في مسيرة الهداية والسعادة، وهذه الآية اعتبرت الذين لهم آذن سالمة لكنهم لا يستمعون لآيات الله ودعوة