وعلى كل حال، فلا ينبغي تفسير هذا التحريم بشكل جاف يتنافى وأساليب الحروب وخدعها، والتي هي أساس كثير من الانتصارات.
وتختتم الآية محل البحث بالقول: إن جزاء من يفر مضافا إلى استحقاقه لغضب الله فان مصيره إلى النار: ومأواه جهنم وبئس المصير.
والفعل " باء " مشتق من " البواء " ومعناه الرجوع واتخاذ المنزل، جذره في الأصل يعني تصفية محل ما وتسطيحه، وحيث إن الإنسان إذا نزل في محل عدله وسطحه، فقد جاءت هذه الكلمة هنا بهذا المعنى. وفي الآية إشارة إلى أن غضب الله مستمر ودائم عليهم، فكأنهم قد اتخذوا منزلا عند غضب الله.
وكلمة " المأوى " في الأصل معناها " الملجأ " وما نقرؤه في الآية، محل البحث ومأواه جهنم فهو إشارة إلى أن الفارين يطلبون ملجأ ومأوى من فرارهم لينقذوا أنفسهم من الهلكة، إلا أن ما يحصل هو خلاف ما يطلبون، إذ ستكون جهنم مأواهم، وليس ذلك في العالم الآخر فحسب، بل هو في هذا العالم إذ سيحترقون في جهنم الذلة والإنكسار والضياع.
ولذا فقد جاء في " عيون الأخبار " عن الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) في جواب أحد أصحابه حين سأله عن فلسفة تحريم الفرار من الجهاد فقال: " وحرم الله الفرار من الزحف لما فيه من الوهن في الدين، والاستخفاف بالرسل والأئمة العادلة عليهم السلام، وترك نصرتهم على الأعداء، والعقوبة على إنكار ما دعوا إليه من الإقرار بالربوبية وإظهار العدل وترك الجور وإماتة الفساد، لما في ذلك من جرءة العدو على المسلمين، وما يكون من السبي والقتل وإبطال دين الله عز وجل وغيره من الفساد ". (1) ومن ضمن الامتيازات الكثيرة التي كانت عند الإمام علي (عليه السلام)، وربما يشير