وبعبارة أخرى: إن الإصرار على تكذيب الآيات الإلهية قد ترك في نفوسهم وأرواحهم أثرا عجيبا، بحيث خلق منهم أفرادا متصلبين منغلقين دون الحق، لا يستطيع نور الهدى من النفوذ إلى قلوبهم.
ولهذا يقول أولا: سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق.
ومن هنا يتضح أن الآية الحاضرة لا تنافي أبدا الأدلة العقلية حتى يقال بتأويلها كما فعل كثير من المفسرين - إنها سنة إلهية أن يسلب الله من المعاندين الألداء توفيق الهداية بكل أشكاله وأنواعه فهذه هي خاصية أعمالهم القبيحة أنفسهم، ونظرا لانتساب جميع الأسباب إلى الله الذي هو علة العلل ومسبب الأسباب في المآل نسبت إليه.
وهذا الموضوع لا هو موجب للجبر، ولا مستلزم لأي محذور آخر، حتى نعمد إلى توجيه الآية بشكل من الأشكال.
هذا، ولابد من الالتفات - ضمنيا - إلى أن ذكر عبارة بغير الحق بعد لفظة:
التكبر إنما هو لأجل التأكيد، لأن التكبر والشعور بالاستعلاء على الآخرين واحتقار عباد الله يكون دائما بغير حق، وهذا التعبير يشبه الآية (61) من سورة البقرة، عندما يقول سبحانه: ويقتلون النبيين بغير الحق فقيد بغير الحق هنا قيد توضيحي، وتوكيدي لأن قتل الأنبياء هو دائما بغير حق.
خاصة أنها أردفت بكلمة " في الأرض " الذي يأتي بمعنى التكبر والطغيان فوق الأرض، ولا شك أن مثل هذا العمل يكون دائما بغير حق.
ثم أشار تعالى إلى ثلاثة أقسام من صفات هذا الفريق " المتكبر المتعنت " وكيفية سلب توفيق قبول الحق عنهم.
الأولى قوله تعالى: وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها إنهم لا يؤمنون حتى ولو رأوا جميع المعاجز والآيات والثانية، وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه