مهم، فقد يتساءل أحد: كيف سلط الله العادل الرحيم عدوا بهذه القوة على الإنسان ... عدوا لا يمكن مقايسة قواه بقوى الإنسان... عدوا يذهب حيث يشاء دون أن يحس أحد بتحركاته، بل إنه - حسبما جاء في بعض الأحاديث - يجري من الإنسان مجرى الدم في عروقه، فهل تنسجم هذه الحقيقة مع عدالة الله سبحانه؟!
الآية الشريفة - في خاتمتها - ترد على هذا السؤال الاحتمالي إذ تقول: إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون.
أي إن الشياطين لا يسمح لهم قط بأن يتسللوا وينفذوا إلى قلوب وأرواح المؤمنين الذين لم يكونوا على استعداد لقبول الشيطان والتعامل معه.
وبعبارة أخرى: إن الخطوات الأولى نحو الشيطان إنما يخطوها الإنسان نفسه، وهو الذي يسمح للشيطان بأن يتسلل إلى مملكة جسمه. فالشيطان لا يستطيع اجتياز حدود الروح ويعبرها إلا بعد موافقة من الإنسان نفسه، فإذا أغلق الانسان نوافذ قلبه في وجه الشياطين والأبالسة، فسوف لا تتمكن من النفوذ إلى باطنه.
إن الآيات القرآنية الأخرى شاهدة أيضا على هذه الحقيقة، ففي سورة النحل في الآية (100) نقرأ إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون، فالذين يتعشقون الشيطان ويسلمون إليه زمام أمرهم ويعبدونه هم الذين يتعرضون لسيطرته ووساوسه.
وفي الآية (47) من سورة الحجر نقرأ إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين.
وبعبارة أخرى: صحيح أننا لا نرى الشيطان وجنوده وأعوانه، إلا أننا نستطيع أن نرى آثار أقدامهم، ففي كل مجلس معصية، وفي كل مكان تهيأت فيه وسائل الذنب، وفي كل مكان توفرت فيه زبارج الدنيا وبهارجها، وعند طغيان الغرائز، وعند اشتعال لهيب الغضب، يكون حضور الشيطان حتميا ومسلما، وكأن