بأي معنى فسر من المعنيين السابقين والبلاد المتقاربة بحسب العرف المتوافقة في العروض والمطالع كالبصرة وبغداد متحدة في الحكم فلو رؤي في أحدها الهلال ثبت حكم الرؤية على جميع أهلها لا المتباعدة كبغداد ومصر قاله الشيخ في المبسوط ومتى لم ير الهلال في البلد ورؤى خارج البلد على ما بيناه وجب العمل به إذا كان البلدان التي رؤي فيها متقاربة بحيث لو كان السماء مصحية والموانع مرتفعة لرؤى في ذلك البلد أيضا لاتفاق عروضها وتقاربها مثل بغداد وواسط وتكريت والموصل فأما إذا بعدت البلاد مثل بغداد وخراسان ومصر فإن لكل بلد حكم نفسه ولا يجب على أهل بلد العمل بما رواه أهل البلد الاخر وقال المحقق (ره) في المعتبر حكم الهلال في البلاد المتقاربة واحد ولا كذلك المتباعدة بل يلزم من رأى دون من لم ير وقد أفتى بذلك عبد الله بن عباس ومثله قال في الشرايع ومثل المتقاربة بالكوفة وبغداد والمتباعدة بالعراق وخراسان وقال العلامة في المنتهى إذا رأى الهلال أهل بلد وجب الصوم على جميع الناس سواء تباعدت البلاد أو تقاربت وبه قال أحمد والليث بن سعد وبعض أصحاب الشافعي وقال الشيخ إن كانت البلاد متقاربة لا تختلف في المطالع كبغداد والبصرة كان حكمها واحد وإن تباعدت كبغداد ومصر كان لكل بلد حكم نفسه وهو القول الاخر للشافعية ثم نقل عن بعض الشافعية تحديد البعد بثمانية فراسخ وعن بعض العامة إن لأهل كل بلد حكم رؤيتهم ثم استدل على ما اختاره وذكره أولا بأنه يوم من شهر رمضان في بعض البلاد للرؤية وفي الباقي بالشهادة فيجب صومه للآية والأخبار الدالة على وجوب صوم الشهر أقول وضعفه ظاهر لان الكلام في أن الشهر هل يختلف بالنسبة إلى البلاد أم لا فكيف يمكن أخذ تحقق الشهر بالشهادة مطلقا مسلما في الدليل ثم استدل بأن البينة العادلة شهدت به الهلال فيجب الصوم كما لو تقاربت البلاد وأقول إن أراد المقايسة فضعفها ظاهرا وإن أراد دلالة ظواهر الأخبار الواردة في الشهادة عليه ففيه إن المتبادر المنساق إلى الفهم من الاخبار شهادة أهل البلد أو النواحي كما هو الشايع المتعارف في ذلك ثم استدل بأنه شهد برؤيته من يقبل قوله فيجب القضاء لو فات للأخبار الواردة في ذلك كصحيحة منصور بن حازم المتقدمة ونحوها مما تضمن الامر بالقضاء عند شهادة الشاهدين والجواب عن مثل هذه الأخبار قد ظهر مما ادعيناه من أن المتبادر ما هو الشايع الغالب في باب الشهادة على مثل ذلك وكرواية أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) إنه سئل عن اليوم الذي يقضي من شهر رمضان فقال لا تقضه إلا أن يثبت شاهدان عدلان من جميع أهل الصلاة متى كان رأس الشهر وقال لا تصم ذلك اليوم الذي يقضي إلا أن يقضي أهل الأمصار فإن فعلوا فصمه فقال بعد ذكر هذه الرواية فعلق عليه السلام وجوب القضاء بشهادة العدلين من جميع المسلمين وهو نص في التعميم قربا وبعدا ثم عقبة بمساواته لغيره من أهل الأمصار ولم يعتبر عليه السلام القرب في ذلك أقول هذه الرواية مع ضعف سندها لا يخلو متنها عن اشتباه وكأنه عليه السلام أشار إلى تعليق وجوب القضاء بشهادة العدلين من بين جميع المسلمين أو بشيوع الرؤية بين أهل الأمصار ويمكن أن يقال إن العدلين من بين جميع المسلمين لا عموم له قربا وبعدا بالنسبة إلى العدلين بل التعميم فيه فيمن لم ير فهو مطلق يمكن حمله على القريب بقرينة التعارف كما عرفت في غيرها من الروايات وعموم أهل الأمصار يفيد اعتبار القريب والبعيد جميعا ولا يدل على جواز الاكتفاء بالبعيد كما هو مطلوبه (ره) وحيث لا يمكن اعتبار الجميع على ما هو معلوم من الخارج فيحمل على مصر كل أحد ولا يفيده ذلك أصلا كما لا يخفى ثم استدل بإطلاق قول أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث عبد الرحمن بن أبي عبد الله فإن شهد أهل بلد آخر فاقضه حيث لم يعتبر القرب وبصحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد الله (عليه السلام) إنه قال فيمن صام تسعة وعشرين قال إن كانت له بينة عادلة على أهل مصر إنهم صاموا ثلاثين على رؤية قضى يوما فقوله عليه السلام مصر نكرة شايعة تتناول الجميع على البدل فلا تخصص إلا بدليل أقول يشكل ادعاء ظهور العموم والمطلق يمكن حمله على الفرد الغالب المنساق إلى الفهم أي مصره أو القريب منه كما على أن هذا الاخبار وردت في القضاء دون الافطار فلعله من باب الاحتياط للصيام واعلم إن صحيحة هشام لا تخلو عن دلالة على اعتبار الشهادة على الشهادة في الهلال ثم قال احتجوا بما رواه كريب إن أم الفضل بنت الحرث بعثته إلى معاوية بالشام قال فقدمت الشام فقضيت بها حاجتي واستهل على رمضان فرأينا الهلال ليلة الجمعة ثم قدمت المدينة في آخر الشهر فسألني عبد الله بن عباس وذكر الهلال فقال متى رأيتم الهلال فقلت ليلة الجمعة فقال أنت رأيته قلت نعم ورآه الناس فصاموا وصام معاوية فقال لكنا رأيناه ليلة السبت فلا يزال نصوم حتى تكمل العدة أو نراه فقلت أفلا تكتفي برؤية معاوية وصيامه قال لا هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله والجواب ليس هذا دليلا على المطلوب لاحتمال أن ابن عباس لم يعمل بشهادة كريب والظاهر أنه كذلك لأنه واحد وعمل معاوية ليس حجة لاختلال حاله عنده لانحرافه عن علي (عليه السلام) ومحاربته له فلا يعتد بعمله وبالجملة فليس دالا على المطلوب وأيضا فإنه يدل على أنهم لا يفطرون بقول الواحد أما على عدم القضاء فلا ولو قالوا إن البلاد المتباعدة تختلف عروضها فجاز أن يرى الهلال في بعضها دون بعض لكروية الأرض قلنا إن المعمور منها قدر يسير هو الربع ولا اعتداد به عند السماء وبالجملة إن علم طلوعه في بعض الأصقاع وعدم طلوعه في بعضها المتباعدة عنه لكروية الأرض لم يتساوى حكماهما أما
(٤٧٣)