حينئذ في الاكل وربما احتجوا أيضا برواية غياث باعتبار اختصاص النخامة بما في الصدر وضعف هذا القول وضعف مستمسكهم واضح جدا وقال خالي طاب ثراه بوجوب الاجتناب عن ابتلاع النخامة بنوعيها إذا صارت في الفم للشك في دخول ابتلاعها حينئذ في الاكل فتحصيل البراءة اليقينية من التكليف الثابت بالصوم يقتضي التجنب عنه إلا أنه لا يلزم بذلك وجوب الكفارة ولا القضاء لأصالة البراءة أقول وما ذكره من وجوب الاجتناب لتحصيل البراءة اليقينية فغير طاهر إذ المعلوم والمسلم إن التكليف اليقيني يقتضي البراءة اليقينية بمعنى أنه يجب إبراء الذمة يقينا من كل ما هو معلوم الثبوت فيها ولا يكفي مجرد احتمال البراءة والشك فيها وأما ما هو مشكوك الثبوت فلا يلزم الاتيان به بحكم أصل البراءة مثلا إذا ثبت التكليف بالصوم وشغل الذمة به فيجب الخروج يقينا عن عهدة كل ما هو معلوم الدخول في الصوم شرعا وأما الأمور المشكوكة ومنها التجنب عن ابتلاع النخامة فالأصل براءة الذمة عنها حيت يثبت دخولها في الصوم كيف لا والحكم بوجوبها بمحض الاحتمال يؤل إلى الحكم بشغل الذمة بمجرد الاحتمال وهو غير صحيح البتة ولو صح ذلك لوجب الحكم بالقضاء والكفارة أيضا لاحتمال ثبوتهما في الذمة باعتبار دخول هذا الابتلاع في الاكل الموجب لهما وفي وجوب الكفارات الثلاث هنا أي في صورة ابتلاعها من فضاء الفم نظر باعتبار التردد في تحريم ابتلاع الشخص نخامته خصوصا قبل أن يخرج من الفم لأجل خباثتها وتحريم أكل الخبائث وكون ذلك في الادخال من الخارج وأما الخبائث الداخلة فلا حكم لها لتعذر التجنب عنها ويؤيده ما رواه عبد الله بن سنان قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول من تنخع في المسجد ثم ردها في جوفه لم تمر بداء في جوفه إلا أبرأته وظاهره الرد من الفم إلى الجوف وإن أمكن حمله على ردها قبل أن تصل إلى فضاء الفم وتجب الكفارات الثلاث لو كانت نخامة غيره لخباثتها وكونها فضلة غير المأكول وكل ما يحرم في غير الصوم يتأكد فيه لان هذا الزمان ظرف للعبادة فلا يجوز صرفه في المعصية وقد قال الله تعالى إنما يتقبل الله من المتقين وروى محمد بن مسلم في الحسن بن إبراهيم قال قال أبو عبد الله (عليه السلام) إذا صمت فليصم سمعك وبصرك وشعرك وجلدك وعدد أشياء غير هذا وقال لا يكون يوم صومك كيوم فطرك وروى جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله لجابر بن عبد الله يا جابر هذا شهر رمضان من صام نهاره وقام وردا من ليله وعف بطنه وفرجه وكف لسانه خرج من ذنوبه كخروجه من الشهر فقال جابر يا رسول الله ما أحسن هذا الحديث فقال رسول الله صلى الله عليه وآله يا جابر وما أشد هذه الشروط كالمسابة بتشديد الموحدة أي المشاتمة روى مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله ما من عبد صالح يشتم فيقول أني صائم سلام عليك لا أشتمك كما تشتمني إلا قال الرب تبارك وتعالى استجار عبدي بالصوم من شر عبدي فقد أجرته من النار والظاهر أن المراد بقوله عبدي المشتوم وبالثاني الشاتم فإن المشتوم لما جعل الصوم مانعا عن معارضة الشاتم فكأنه استجار به أو المراد أنه استجار من شر سيئة مشاتمته وطول التشاجر واستمرار التشاتم بينهما بالصوم وطلب فضله وروى جراح المدايني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إن الصيام ليس من الطعام والشراب وحده ثم قال قالت مريم أني نذرت للرحمن صوما وصمتا وفي نسخة أخرى أي صمتا فإذا صمتم فاحفظوا ألسنتكم وغضوا أبصاركم ولا تنازعوا ولا تحاسدوا قال وسمع رسول الله صلى الله عليه وآله امرأة تسب جارية لها وهي صائمة فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله بطعام فقال لها كلي فقالت أني صائمة فقال كيف تكونين صائمة وقد سببت جاريتك إن الصوم ليس من الطعام والشراب قال وقال أبو عبد الله (عليه السلام) إذا صمت فليصم سمعك وبصرك من الحرام والقبيح ودع المرء وأذى الخادم وليكن عليك وقار الصايم ولا تجعل يوم صومك كيوم فطرك والفرق بين النسختين إن النسخة الأولى تدل على اعتبار الصمت بقرينة تفريع قوله تعالى فلن أكلم اليوم أنسيا والنسخة الثانية على تفسير الصوم بالصمت ولعل الغرض من ذكر الآية الاستشهاد على اعتبار نوع من حفظ اللسان في الصيام لأجل استعمال الصوم فيه في الآية ودلالتها على حسنه والتعبد به في الشرايع السالفة وما رواه الفضل بن يسار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إذا صام أحدكم الثلاثة الأيام من الشهر فلا يجادلن أحدا ولا يجهل ولا يسرع إلى الحلف والايمان بالله فإن جهل عليه أحد فليحتمل وقوله (عليه السلام) فإن جهل عليه أحد أي أظهر الجهل لخشونة الكلام والشتم قال في القاموس جهل عليه أظهر الجهل كتجاهل وقال العلامة في المنتهى المشاتمة والتلفظ بالقبيح لا توجب الافطار عندنا وبه قال باقي الفقهاء إلا الأوزاعي وذكر احتجاجه بروايتين لأبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وأجاب بعدم دلالتهما على الافساد والكذب وقد مر البحث عنه مفصلا ويجوز التبرد بالغسل من غير ارتماس وصب الماء على الرأس للأصل وعمل المسلمين وما تقدم في بحث الارتماس من صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال الصائم يستنقع في الماء ويصب على رأسه ويبرد بالثوب وينضح المروحة وينضح البوريا ولا يرمس رأسه في الماء ولو علم دخوله الاذن ما لم يعلم تعديه إلى الحلق لما تقدم في بحث السقوط بما يصل إلى الدماغ من عدم دليل تام يدل على عدم جواز إيصال شئ إلى مطلق الجوف ولو غمس رأسه في الماء مع خروج البدن دفعة أو على التعاقب
(٤٣٦)