إذا علم بدخول جسم محسوس في الحلق وإن بعد الفرض كما عرفت في بحث الغبار وبحث شم الرايحة الغليظة وبحث السعوط وشمول الوفاق على عدم التحريم لهذه الصورة غير بين وأما الأخبار الدالة على الجواز مطلقا فمن طريق العامة ما رواه عن أنس إن النبي (صلى الله عليه وآله) كره السعوط للصائم ولم يكره الكحل ومن طريق الخاصة ما روى في الكافي والتهذيب صحيحا عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) في الصائم يكتحل قال لا بأس به ليس بطعام ولا شراب وصحيحا أيضا عن ابن أبي يعفور قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الكحل للصائم فقال لا بأس به إنه ليس بطعام يؤكل وصحيحا أيضا عن عبد الحميد بن أبي العلا عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لا بأس بالكحل للصائم وقد وقع في صحيحة عبد الله بن ميمون عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) وكان لا يرى بأسا بالكحل للصائم وروى الشيخ في التهذيب عن غياث بن إبراهيم عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهما السلام) قال لا بأس بالكحل للصائم وأما الأخبار الدالة على المنع المطلق فما رواه في التهذيب عن الحلبي في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) إنه سأل عن الرجل يكحل وهو صائم فقال لا إني أتخوف أن يدخل رأسه وفي التعليل إشعار بأن النهي للكراهة وبأنه عن الكحل المشتمل على الدواء الحاد النافذ وما رواه في الكافي عن سعد بن سعد الأشعري في الصحيح عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال سألته عمن يصيب الرمد في شهر رمضان هل يذر عينه بالنهار وهو صائم قال يذرها إذا أفطر ولا يذرها وهو صائم والغالب اشتمال الذرور الذي يستعمل في الرمد على الأدوية الحادة وما رواه الشيخ عن الحسن بن علي في الموثق قال سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الصائم إذا اشتكى عينه يكتحل بالذرور وما أشبهه أم لا يسوغ له ذلك فقال لا يكتحل وأما الأخبار الدالة على التفصيل فما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم في الصحيح عن أحدهما (عليهما السلام) إنه سئل عن المرأة تكتحل وهي صائمة فقال إذا لم يكن كحلا تجد له طعما في حلقها فلا بأس وما رواه عن سماعة في الموثق قال سئلته عن الكحل للصائم فقال إذا كان كحلا ليس فيه مسك وليس له طعم في الحلق فليس به بأس وأما ما رواه عن الحسين بن أبي منذر في الصحيح على الظاهر قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) اكتحل بكحل فيه مسك وأنا صائم فقال لا بأس به فمحمول على الرخصة ولا ينافي الكراهة ويكره أيضا إخراج الدم المضعف بفصد أو حجامة أو غيرهما أما جواز إخراج الدم مطلقا فللأصل واتفاق علمائنا وأكثر العامة عليه على ما ذكره في المنتهى وللاخبار وأما كراهة إخراج الدم المضعف فلانه لا يؤمن معه الضرر أو الافطار فيكون مكروها للروايات الدالة على كراهة الحجامة إذا كانت مضعفة مع بيان علة تفيد العموم وأما إذا علم إنه يؤدي إلى ضرر أو إلى الافطار فلا ريب في تحريمه من غير ضرورة وجوازه معها وقال بعض العامة بتحريم الحجامة وقال بعضهم يفطر الحاجم والمحجوم ومنهم من قال بوجوب الكفارة أيضا وأما الروايات فروى البخاري إن النبي (صلى الله عليه وآله) احتجم وهو صائم وروى أيضا إنه احتجم وهو محرم وهذا تفصيل ما رووه عن ابن عباس عن النبي (صلى الله عليه وآله) احتجم وهو صائم محرم وروى الشيخ عن عبد الله بن ميمون في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) قال ثلاثة لا يفطرن الصايم القي والاحتلام والحجامة وقد احتجم النبي (صلى الله عليه وآله) وهو صائم وكان لا يرى بأسا بالكحل للصائم وعن سعيد الأعرج في الصحيح أيضا قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الصائم يحتجم فقال لا بأس إلا أن يتخوف على نفسه الضعف وعن الحلبي في الصحيح والحسن عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سألته عن الصائم أيحتجم فقال إني أتخوف عليه أما يتخوف على نفسه قلت ماذا تتخوف عليه قال الغشيان أو يثور به مرة قلت أرأيت إن قوي على ذلك ولم يخش شيئا قال نعم إن شاء الله وعن الحسين بن أبي العلا في الحسن قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الحجامة للصائم قال نعم إذا لم يخف ضعفا وأما ما رواه عن عبد الله بن سنان في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لا بأس بأن يحتجم الصائم إلا في رمضان فإني أكره أن يغرر بنفسه إلا أن يخاف على نفسه وإنا إذ أردنا الحجامة في رمضان احتجمنا ليلا فلا ينافي الأخبار المتقدمة كما أفاده في التهذيب لأنه (عليه السلام) إنما كره الحجامة في رمضان وعلقها بحال الضرورة والخوف على النفس لظن إحداث الضعف والتعزير بالنفس فيؤول مفاده إلى مفاد الاخبار السالفة ولا يبعد استفادة الكراهة من هذه الأخبار إلا مع ظن السلامة وعدم أدائه إلى الضرر أو الافطار واحتج من قال من العامة يفطر الحاجم والمحجوم بما رووه عن النبي صلى الله عليه وآله إنه قال أفطر الحاجم والمحجوم وضعف سند هذا الخبر يمنع من معارضته للاخبار السالفة مع إمكان تأويله بأنهما قربا من الافطار للضعف واحتمال دخول الدم في حلق الحاجم ويدل أيضا على كراهة أن يحجم الرجل ما رواه الشيخ عن عمار الساباطي قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الحاجم يحجم وهو صائم قال لا ينبغي وعن الصائم يحتجم قال لا بأس ويكره أيضا دخول الحمام المضعف لما عرفت في البحث السابق ولما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم في الصحيح عن أبي جعفر (عليه السلام) إنه سأل عن الرجل يدخل الحمام وهو صائم فقال لا بأس منا لم يخش ضعفا وما رواه عن أبي بصير قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يدخل الحمام وهو صائم فقال ليس به بأس فمحمول على الرخصة أو على حال عدم خوف إحداث الضعف ويكره أيضا شم الرياحين والريحان كل نبت طيب الريح على ما نص عليه أهل اللغة وخصوصا النرجس قال في المنتهى بعد ذكر كراهة شم الرياحين وتأكدها في النرجس هو قول علمائنا أجمع ويدل على كراهة شم الرياحين أيضا ما رواه الشيخ عن الحسن بن راشد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال الصائم لا يشم الريحان وعن الحسن الصيقل
(٤٣٩)