الأولى أي وجود المفطر في حلقه كرها فلاجماع الفرقة وخالف فيه أبو حنيفة ومالك وفى معنى الوجود بلوغ الاكراه حدا يرفع قصده ويذهب باختياره فلو قهره قاهر بضرب شديد أو تخويف عظيم حتى لم يملك أمره ولم يكن له بد من الفعل فلا قضاء عليه أيضا اتفاقا وإن تناول بيده وأما عدمهما في الصورة الثانية أي التخويف والتوعد بالقتل أو بفعل لا يليق بحاله ويعد ضررا لمثله من ضرب أو شتم ونحوهما تخويفا لم يبلغ به حدا يرفع قصده واختياره ففيه خلاف بين الأصحاب ذهب الشيخ في الخلاف والأكثر كالمحقق والعلامة والمصنف (ره) وجماعة إلى عدم الافطار وعدم وجوب القضاء للأصل ولقوله صلى الله عليه وآله رفع عن أمتي الخطاء والنسيان وما استكرهوا عليه ولأنه غير متمكن من الفعل فلا يصح تكليفه عقلا فلا يتوجه إليه النهى فيكون تناوله سايغا كالناسي ولأن هذا معنى حرمة الصوم فإذا حصل بغير اختياره لم يفطر كما لو طارت ذبابة إلى حلقه أو زرعه ألقى وذهب الشيخ في المبسوط إلى فساد الصوم ووجوب القضاء فقال في عد ضروب ما لا يفطر أو أدخل غيره في فيه وحلقه ما يفطره من غير صنع من جهته أما بأن كان نائما أو أكرهه عليه فان ذلك لا يفطره فإن ألزمه التناول بنفسه أفطر واستدلوا على هذا القول أولا بأنه مع التوعد مختار الفعل فيصدق عليه أنه فعل المفطر اختيارا فوجب عليه القضاء وقال في المختلف الجواب المنع من كونه مختارا وقال في المدارك بمنع كون الفعل الصادر عن الاختيار على هذا الوجه مفسدا للصوم بل ذلك محل النزاع فكيف يجعل دليلا وثانيا بأن المكره دفع عن نفسه الضرر بتناوله فيلزم القضاء كالمريض وأجاب عنه في المعتبر بأن مقتضى الدليل سقوط القضاء في الموضعين لكن ترك العمل بالمقتضى في المرض بالدليل فيعمل بالمقتضى فيما عداه أقول وألحق أن المفهوم من الصوم شرعا ليس إلا الكف عن المفطرات ومع الاتيان بشئ منها لا يتحقق الاتيان بالصوم ظاهرا وقد مر ذكر أدلة وجوب القضاء على تارك الصوم من الاجماع وغيره وأيضا العمومات الواردة في الأخبار الدالة على وجوب القضاء على من فعل كذا وكذا يشمل هذه الصورة أيضا إذ لا منع شرعا ولا عرفا من إسناد الفعل إلى المكره الكذائي ودعوى أن المتبادر إلى الذهن من الاخبار الفعل الصادر بعنوان الاختيار كما يفهم من كلام صاحب المدارك وكلام خالي طاب ثراه فلا يخلو عن إشكال فالأصل على هذا وجوب القضاء حتى يعلم سقوطه وهذا بخلاف الصورة الأولى لعدم ظهور فوات الصوم عنه وعدم إسناد الفعل إليه فيها إذا الفرض أن لا صنع له فيه أصلا أو هو بمنزلة الأدلة لأجل سلب الاختيار عنه رأسا وما ذكروه من الأدلة على سقوط القضاء غير تام أما الخبر فلما قاله في المسالك من أنه قد تقرر في الأصول أن المراد فيه برفع الخطاء وقيمية دفع المؤاخذة عليها لا رفع جميع أحكامها وبالجملة لا ظهور له في في رفع الجميع وقد اعترف خالي طاب ثراه بذلك في مسألة ناسي النية إلى الزوال ونقلناه عنه ومع ذلك جعل الخبر هنا دليلا على سقوط القضاء وأما أنه غير متمكن من الفعل فلا يصح تكليفه ولا يتوجه إليه النهى ففيه أن وجوب القضاء لا يستلزم تكليفه في مال الاكراه أو توجه النهى إليه وجواز التناول لا يستلزم سقوط القضاء كالتناول في المرض والسفر والحيض والنفاس والقياس على الناسي ومن طارت الذبابة في حلقه لا نعمل به وأما سقوط الكفارة فمقطوع به للاجماع وعدم الاثم وذلك أيضا لا يقتضى سقوط القضاء كما في كثير من نظايره والحاصل أن القول بالقضاء أظهر بحسب الدليل وأقرب إلى الاحتياط ثم أن الشهيد الثاني (ره) بعد تصحيحه لهذا القول في المسالك أيده بما ورد في بعض الروايات من قول الصادق (عليه السلام) لأصحابه في باب ما وقع منه مع السفاح لئن أفطر يوما من شهر رمضان وأقضيه أحب إلى من أن يضرب عنقي ولا يعبد الله وتأييده لهذا القول ظاهر وفرق المصنف (ره) بين الافطار للاكراه والافطار قبل الغروب أو في أول يوم من الشهر للتقية ضعيف جدا وذلك الفرق باعتبار قوله هنا في الأول بسقوط القضاء وسيجيئ قوله في الثاني بوجوبه وسنبني تمام القول فيه عند شرحه إنشاء الله تعالى ولو أكره الرجل صائما في شهر رمضان زوجته صائمة على الجماع تحمل عنها الكفارة وهو مجاز عن تضاعفها عليه إذ لا كفارة عليها مع الاكراه حتى تحل التحمل على الحقيقة وكان الكفارة الزايدة عقوبة ويكفر لما صدر عنه من الاكراه القبيح لا القضاء فإنه يسقط عنها بالاكراه من دون تحمل وأما دليل تحمل الكفارة فما قيل من أن الجماع لو وقع باختيار هما أوجب الكفارتين بلا خلاف وهو فعل وأخذ اقتضى هذا الحكم فإذا أكرهها كان مستندا في الحقيقة إليه وأوجب حكمه عليه وما رواه إبراهيم بن إسحاق الأحمري عن عبد الله بن حماد عن المفضل بن عمر عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل أتى امرأته وهو صائم وهي صائمة فقال إن كان استكرهها فعليه كفارتان ويعزر بخمسين سوطا وإن كانت طاوعته فعليه كفارة وعليها كفارة وضرب خمسة وعشرين سوطا وضربت خمسة وعشرين سوطا والرواية خالية عن التجوز الذي في كلامهم وضعف الدليل الأول واضح لان اقتضاء أصل الفعل لهذا الحكم المخالف للأصل مطلقا غير معلوم بل المعلوم أن صدوره وقبوله بالاختيار يوجبان الكفارة ويمكن إرجاع القبول الاختياري إلى الفعل الوجودي الصادر عن القابل ولا يقتضى ذلك إيجاب الاكراه على القبول الكفارة على المكره وهو
(٤٠١)