ذكر شرايطه وأحكامه فبدء بالنية وقال على سبيل التفريع على كونه عبادة شرعية بل محض توطين النفس لله تعالى على ترك الثمانية فيشترط (نيه الوجوب) أي قصد الصوم بعنوان الوجوب إن كان واجبا فاكتفى بذكر الوصف عن ذكر الموصوف الذي هو الأصل لظهوره أو الندب كما عرفت إن كان مندوبا ولا ريب في لزوم التعرض لأحدهما مع صلاحية الزمان لوقوع الصوم فيه والشخص لصدوره عنه على الوجهين لتميز العبادة ويتشخص تشخصا لا يحصل إلا بالقصد أما لو تعين أحدهما لأحدهما بأصل الشرع أو بسبب عارض كشهر رمضان وما يتعلق به النذر بخصوصه أو يوم غير أيام الشهر لمن ليس عليه صوم ومن عليه صوم وقلنا بعدم جواز النفل لمن اشتغلت ذمته بالفرض فالتعرض أولى خروجا عن خلاف من أوجبه كالمصنف في هذا الكتاب كما ذكره مرارا أو سيجئ زيادة بحث في ذلك ولفظ الاشتراط يشعر بما سبق منه في نية الصلاة من أنهما تشبه الشرط من وجه وتفصيله في الذكرى وشبه نية الصوم بالشرط أقوى من شبه نية الصلاة بجواز تقديمها على الفجر الذي هو أول وقت الصيام (والقربة) وفاقا بأن يقصد فعله لله تعالى امتثالا لامره أو طلبا للتوجه إلى جنابه به أو للرفعة عنده بواسطته تشبيها بالقرب المكاني والأخير أقرب باللفظ ولكن المعتبر أحدها وإيثار هذه اللفظية لورودها كثيرا في الكتاب والسنة وقد مر من المصنف في بحث الوضوء تفسيرها بموافقة إرادة الله تعالى واعتبر ابن زهرة في النية قصدا لطاعة لله لان بذلك الفعل عباده والقربة وفسرها بطلب المنزلة الرفيعة عنده نيل ثوابه لأنه الغرض المطلوب بطاعته وضعفه ظاهر (ليلا) ظرف زمان للنية متعين في الواجب المعين كصوم رمضان والنذر المعين للعالم العامد ويتضيق وقتها حين يطلع الفجر ولا يجوز تأخيرها عن طلوعه وإن يحصل العلم به فلوا أخرها عن ذلك عامدا يفسد ذلك اليوم ويجب عليه قضاؤه دون الكفارة للأصل وما قيل من أن فوات الشرط والركن أشد من فوات متعلق الامساك فضعيف والدليل عليه إن الصوم عبادة واجبة في كل النهار والامساك العدمي الذي هو حقيقة الصوم لا تصير عبادة إلا بالنية ولهذا ورد في نية الصوم من الآثار ما ليس في غيرها كما ستقف عليه فلو وقعت في النهار لزم خلو جزؤ منه البتة عن العبادة المأمور بها وحيث لا يمكن اعتبارها مقارنة للجزء الأول منه كما في ساير العبادات لتعذر ذلك في العبادة المستغرقة للوقت أو تعسره أجاز الشارع إيقاعها قبله في الليلة أو في أول أن يتحقق طلوعه كما سيجئ من تجويز المصنف (ره) مقارنتها لطلوع الفجر وتعين ذلك اليوم شرعا للصوم غير مفيد للاتيان به مع الاخلال بشرطه عمدا في بعض أجزائه واعتقاد ذلك للناسي والجاهل ومن تجدد عزمه على صوم غير معين لدليل شرعي يدل على الاعتقاد لا يدل على اغتفاره للعامد العالم بوجوبه على التعيين بالطريق الأولى بل ظهور عذرهم يقيد كمال أولويتهم هذا ما يدل عليه بحسب الاعتبار وأما بحسب الآثار فالخبر المشهور عنه صلى الله عليه وآله لا صيام لمن لا يبت الصيام من الليل وقوله صلى الله عليه وآله من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له خرج عنه من خرج بالدليل كصاحب الاعذار وبقى الباقي وقوله (عليه السلام) في الخبر الأول لا يبت وفي رواية لم يبت من البيت بمعنى القطع والعزم أما بفتح المضارعة وضم الموحدة مضارع بت أو بضم المضارعة وكسر الموحدة مضارع لبت والمعنى لا صيام لمن لم ينوه ويجزمه فيقطعه من الوقت الذي لا صوم فيه وهو الليل ثم أنه لا فرق بين أجزاء الليل في ذلك لعدم دليل شرعي يدل على التخصيص فيصح إيقاعها في أي جزء كان منه و قال بعض الشافعية إنما تصح النية في النصف الثاني من الليل دون الأول لاختصاصه بأذان الصبح والدفع من مزدلفة وفساده أظهر من أن يخفى أو نهار (للناسي إلى زوال الشمس) يعنى إن الناسي لها ليلا في الواجب المتعين يوقعها عند التذكر فورا ويجزيه ذك إلى الزوال إذا لم يكن أحدث ما ينقض الصيام وأما بعد الزوال فلا وكذا لو أخرهما عن التذكر عامدا أما صحة الصوم لو أوقعها عند التذكر إلى الزوال فظاهرهم أنه موضع وفاق عند الأصحاب قال في المختلف ويظهر من كلام ابن أبي عقيل إن الناسي كالعامد في رمضان وأنه لو أخل بالنية من الليل لم يصح صومه وحكم بعض الأصحاب بندور قوله تصحيحا للوفاق أقول وليس كالأمة ظاهرا في حكم الناسي لأنه على ما نقله في المختلف هكذا ويجب على من كان صومه فرضا عند آل الرسول (عليهم السلام) أن يقدم النية في اعتقاد صومه ذلك من الليل ومن كان صومه تطوعا أو قضاء رمضان فأخطاء أن ينوى من الليل فنواه بالنهار قبل الزوال أجزاه وإن نوى بعد الزوال لم يجزه ولا دلالة في هذا الكلام على حكم الناسي في رمضان إلا في مفهومه قوله فأخطأ أن ينوى من الليل إن حملنا الخطأ على النسيان وهو غير ظاهر بل الظاهر أنه عبر عن عدم إيقاع النية في الليل بالخطأ ويرجع إلى بيان حكم العامد كما لا يخفى واستدل على المشهور في المختلف بقوله صلى الله عليه وآله رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وإيجاب القضاء يستلزم عدم رفع حكم النسيان وقال خالي طاب ثراه وفيه نظر لان المراد في الخبر دفع المؤاخذة والعقاب فلا يدل على عدم القضاء وأنت خبير بأن التخصيص مما لا دليل عليه ظاهرا ووجب القضاء مع النسيان في بعض العبادات بالدليل إلا يدل على عدم العموم ولكن لا يبعد دعوى تبادر فهم الخاص من الفظ مع أنهم قد بحثوا عن ذلك واستقر رأى المحققين على أن المراد بالخبر هو الخاص أي رفع المؤاخذة لا رفع جميع الأحكام واختار محمد بن إدريس الحمل على العموم وقد صدر عن أكثرهم الاستدلال به في مقام العموم واستدل عليه أيضا بفحوى الأخبار الدالة على انعقاد الصوم من المريض والمسافر إذا أزال عذرهما
(٣٤٨)