وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يسأل من أنعامهم شجرة بردائه فظن أنهم نزعوه عنه لو كان عدد شجر تهامة نعما لقسمته بينكم وما أنا بأحق به منكم بقدر وبرة آخذها من كاهل البعير إلا الخمس فإنه مردود فيكم ففي هذا بيان مواضع الفئ التي وجهها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه بحكم الله تعالى وعدل قضائه فمن رغب عن هذا أو ألحد فيه وسمى رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير ما سماه به ربه كان بذلك مفتريا مكذبا محرفا لقول الله عز وجل عن مواضعه مصبرا بذلك ومن تابعه عليه على التكذيب وإلى ما صار إليه ضلال أهل الكتابين الذين يدعون على أنبيائهم قال أبو جعفر وقال آخرون إنما جعل الله أمر الخمس إلى نبيه صلى الله عليه وسلم ليضعه فيمن رأى وضعه فيه من قرابته غنيا كان أو فقيرا مع من أمر أن يعطيه من الخمس سواهم ممن تبين في آية الخمس ولذلك أمره في آية الفئ أيضا فلما اختلفوا في هذا الاختلاف الذي وصفنا وجب أن ننظر في ذلك لنستخرج من أقوالهم هذه قولا صحيحا فاعتبرنا قول من قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى من قرابته من أعطى ما أعطاه بحق واجب لهم لم يذكر الله إياهم في آية الغنائم وفي آية الفئ فوجدنا هذا القول فاسدا لأنا رأيناه صلى الله عليه وسلم أعطى قرابة ومنع قرابة فلو كان ما أضافه الله عز وجل إليهم في آية الغنائم وفي آية الفئ على طريق الفرض منه لهم إذا لما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم أحدا ولعمهم بما جعل الله لهم حتى لا يكون في شئ من ذلك خارجا عما أمره الله به فيهم ألا يرى أن رجلا لو أوصى لذي قرابة فلان بثلث ماله وهم يخصون ويعرفون أن القائم بوصيته ليس له وضع الثلث في بعض القرابة دون بقيتهم حتى يعمهم جميعا بالثلث الذي يوصى لهم به ويسوى بينهم فيه وإن فعل فيه ما سوى ذلك كان مخالفا لما أمر به وحاش لله أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم في شئ من فعله لما أمره الله به مخالفا ولحكمه تاركا فلما كان ما أعطى مما صرفه في ذوي قرباه لم يعم به قرابته كلها استحال بذلك أن يكون الله عز وجل لقرابته صلى الله عليه وسلم ما قد منعهم منه لان قرابته لو كان جعل لهم شئ بعينه كانوا كذوي قرابة فلان الموصى لهم بثلث المال الذي ليس للوصي منع بعضهم ولا إيثار أحدهم دون أحد فبطل بذلك هذا القول ثم اعتبرنا قول الذين قالوا لم يجب لذي قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم حق في آية الفئ ولا في آية الغنائم وإنما وكد أمره بذكر الله إياهم أي فيعطون لقرابتهم ولفقرهم ولحاجتهم فوجدنا هذا القول فاسدا لأنه لو كان ذلك كما قالوا لما أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم أغنياء بني هاشم منهم العباس
(٢٩٦)