فلم قلتم إن قرابة الرجل هي من جمعه وإياه أقصى آبائه في الاسلام قيل له قد ذكرنا فيما تقدم منا في كتابنا هذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى قرابة ومنع قرابة وقد كان كل من أعطاه وكل من حرمه ممن لم يعطه ممن موضعه منه وموضع الذي أعطاه يجمعه وإياهم عشيرة واحدة ينسبون إليها حتى يقال لهم جميعا هؤلاء القريشيون ولا ينسبون إلى ما بعد قريش فيقال هؤلاء الكنانيون فصار أهل العشيرة جميعا بني أب واحد وقرابة واحدة وبانوا ممن سواهم فلم ينسبوا إليه فكذلك أيضا كل أب حدث في الاسلام صار فخذا أو صار عشيرة ينسب ولده إليه في الاسلام فكان هو وولده ينسبون جميعا إلى عشيرة واحدة قد تقدمت الاسلام فهم جميعا من أهل تلك العشيرة هذا أحسن الأقوال في هذا الباب عندنا والله نسأله التوفيق ثم رجعنا إلى ما أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذوي قرباه فوجدنا الناس قد اختلفوا في ذلك فقال بعضهم أعطاه بحق قد وجب لهم بذكر الله عز وجل إياهم في آية الغنائم وفي آية الفئ ولم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم منعهم من ذلك ولا التخطي به عنهم إلى غيرهم ولأنفسهم من خمس جميع الفئ ومن خمس خمس جميع الغنائم كما ليس له منه منع المقاتلة من أربعة أخماس الغنائم ولا التخطي به عنهم إلى غيرهم وقال آخرون لم يجب لذي قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم حق في الفئ ولا في خمس الغنائم بالآيتين اللتين ذكرتهما في أول كتابنا هذا وإنما وكد الله أمرهم بذكره إياهم في هاتين الآيتين ثم لا يجب بعد ذلك لهم في الفئ وخمس الغنائم إلا كما يجب لغيرهم من سائر فقراء المسلمين الذين لا قرابة بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد روي هذا القول عن عمر بن عبد العزيز حدثنا روح بن الفرج قال ثنا يحيى بن عبد الله بن بكير قال حدثني ثابت بن يعقوب عن داود بن سعيد بن أبي الزبير عن مالك بن أنس رحمة الله عليه عن عمه أبي سهيل بن مالك قال هذا كتاب عمر بن عبد العزيز في الفئ والمغنم أما بعد فإن الله عز وجل أنزل القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم بصائر ورحمة لقوم يؤمنون فشرع فيه الدين وأبهج به السبيل وصرف به القول وبين ما يؤتى مما ينال به من رضوانه وما ينتهي عنه من مناهيه ومساخطه ثم أحل حلاله الذي وسع به وحرم حرامه فجعله مرغوبا عنه مسخوطا على أهله وجعل مما رحم به هذه الأمة ووسع به عليهم ما أحل من المغنم وبسط منه ولم يحظره عليهم كما ابتلى به أهل النبوة والكتاب ممن كان قبلهم فكان من ذلك ما نفل رسول الله صلى الله عليه وسلم لخاصة دون الناس مما غنمه من أموال بني قريظة والنضير إذ يقول الله حينئذ ما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شئ قدير فكانت تلك الأموال خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجب فيها خمس ولا مغنم ليولي الله ورسوله أمره وأختار أهل الحاجة بها السابقة على ما يلهمه من ذلك ويأذن له به فلم يضر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يخترها
(٢٩٣)