سفيان عن الأسود بن قيس عن رجل من قومه يقال له بشر بن علقمة قال بارزت رجلا يوم القادسية فقتلته فبلغ سلبه أثني عشر ألفا فنفلنيه سعد بن أبي وقاص قيل له قد يجوز أن يكون سعد نفله ذلك والقتال لم يرتفع فإن كان ذلك كذلك فهذا قولنا أيضا وإن كان إنما نفله بعد ارتفاع القتال فقد يحتمل أن يكون جعل ذلك من الخمس فإن كان جعله من غير الخمس فهذا فيه الذي ذكرنا من الاختلاف فلم يكن في ذلك الحديث لأحد الفريقين حجة إذ كان قد يحتمل ما قد صرفه إليه مخالفه ووجب بعد ذلك أن يكشف وجه هذا الباب لنعلم كيف حكمه من طريق النظر فكان الأصل في ذلك أن الامام إذا قال في حال القتال من قتل قتيلا فله سلبه أن ذلك جائز ولو قال من قتل قتيلا فله كذا وكذا درهما كان ذلك جائزا أيضا ولو قال من قتل قتيلا فله عشر ما أصبنا لم يجز ذلك لان هذا لو جاز جاز أن تكون الغنيمة كلها للمقاتلين فيبطل حق الله تعالى فيها من الخمس فكان النفل لا يكون قبل القتال إلا فيما أصابه النفل بسيفه ولا يجوز فيما أصاب غيره إلا أن يكون فيما حكمه حكم الإجارة فيجوز ذلك كما تجوز الإجارة كقوله من قتل قتيلا فله عشرة دراهم فذلك جائز فلما كان ما ذكرنا كذلك ولم يجز النفل إلا فيما أصابه المنفل بسيفه أو فيما جعل له لعمله ولم يجز أن ينفل مما أصابه غيره كان النظر على ذلك أن يكون بعد إحراز الغنيمة أحرى أن لا يجوز أن ينفل مما أصاب غيره ففسد بذلك قول من أجاز النفل بعد إحراز الغنيمة ورجعنا إلى حكم ما أصابه هو فكان ذلك قبل أن ينفله الامام إياه قد وجب حق الله تعالى في خمسه وحق المقاتلة في أربعة أخماسه فلو أجزنا النفل إذا لكان حقهم قد بطل بعد وجوبه وإنما يجوز النفل فيما يدخل في ملك المنفل من ملك العدو وأما ما قد زال عن ملك العدو قبل ذلك وصار في ملك المسلمين فلا نفل في ذلك لأنه من مال المسلمين فثبت بذلك أن لا ينفل بعد إحراز الغنيمة على ما قد فصلنا في هذا الباب وبينا وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين
(٢٤٣)