فدل ذلك أن السلب لم يكن واجبا للمددي بقتله الذي كان ذلك السلب عليه لأنه لو كان واجبا له بذلك إذا لما منعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بكلام كان من غيره ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر خالدا بدفعه إليه وله دفعه إليه وأمره بعد ذلك بمنعه منه وله منعه منه كقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأبي طلحة في حديث البراء بن مالك الذي قد ذكرناه فيما تقدم من هذا الباب إنا كنا لا نخمس الأسلاب وإن سلب البراء قد بلغ مالا عظيما ولا أرانا إلا خامسيه قال فخمسه فأخبر عمر أنهم كانوا لا يخمسون الأسلاب ولهم أن يخمسوها وأن تركهم تخميسها إنما كان بتركهم ذلك لا لان الأسلاب قد وجبت للقاتلين كما تجب لهم سهمانهم من الغنيمة فكذلك ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث عوف بن مالك من أمره خالدا بما أمره به ومن نهيه إياه بعد ذلك عما نهاه عنه إنما أمره بما له أن يأمر به ونهاه عما له أن ينهاه عنه وفيما ذكرنا دليل صحيح أن السلب لا يجب للقاتلين من هذه الجهة حدثنا عبد الله بن محمد بن سعيد بن أبي مريم قال ثنا أسد بن موسى قال ثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة قال ثنا داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس قال لما كان يوم بدر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من فعل كذا وكذا فله كذا وكذا فذهب شبان الرجال وجلست الشيوخ تحت الرايات فلما كانت الغنيمة جاءت الشبان يطلبون نفلهم فقال الشيوخ لا تستأثروا علينا فإنا كنا تحت الرايات ولو انهزمتم كنا ردءا لكم فأنزل الله عز وجل يسألونك عن الأنفال فقرأ حتى بلغ كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون يقول أطيعوني في هذا الامر كما رأيتم عاقبة أمري حيث خرجتم وأنتم كارهون فقسم بينهم بالسواء بما قسم ففي هذا الحديث منع رسول الله صلى الله عليه وسلم الشبان ما كان جعله لهم ففي هذا الحديث دليل على أن الأسلاب لا تجب للقاتلين ولولا ذلك لما منعهم منها ولا أعطاهم أسلاب من استأثروا بقتله دون من سواهم ممن تخلف عنهم فإن قال قائل فما وجه منعه صلى الله عليه وسلم إياهم ما كان جعله لهم قيل له لان ما كان جعله لهم فإنما كان لان يفعلوا ما هو صلاح لسائر المسلمين وليس من صلاح المسلمين تركهم الرايات والخروج عنها وإضافة الحافظين لها فلما خرجوا عن ذلك كانوا قد خرجوا عن المعنى الذي به يستحقون ما جعل لهم فمنعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك والله تعالى أعلم
(٢٣٢)