فلم يخل ذلك من أحد وجهين إما أن يكون ملك به القوم الذين قد ثبت حرمتهم بثمار أرضيهم والأرض ملك للمسلمين أو يكون جعل ذلك عليهم كما جعل الخراج على رقابهم ولا يجوز أن يكون الخراج يجب إلا فيما ملكه لغير أخذ الخراج فإن حملنا ذلك على التمليك من عمر رضي الله عنه إياهم ثمر النخل والكرم بما جعل عليهم مما ذكرنا جعل فعله ذلك قد دخل فيما قد نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من بيع السنين ومن بيع ما ليس عندك فاستحال أن يكون الامر على ذلك ولكن الامر عندنا على أن تمليكه لهم الأرض التي أوجب هذا عليهم فيما قد تقدم على أن يكون ملكهم لذلك ملك خراجي فهذا حكمه فيما يجب عليهم فيه وقبل الناس جميعا منه ذلك وأخذوا منه ما أعطاهم مما أخذ منهم فكان قبولهم لذلك إجازة لفعله قالوا فلهذا جعلنا أهل السواد مالكين لأرضهم وجعلناهم أحرارا بالعلة المتقدمة وكل هذا إنما كان بإجازة القوم الذين غنموا تلك الأرض ولولا ذلك لما جاز ولكانوا على ملكهم قالوا فكذلك نقول كل أرض مفتتحة عنوة فحكمها أن تقسم كما تقسم الأموال خمسها لله وأربعة أخماسها للذين افتتحوها ليس للامام منعهم من ذلك إلا أن تطيب أنفس القوم بتركها كما طابت أنفس الذين افتتحوا السواد لعمر بما ذكرنا فكان من الحجة للآخرين عليهم أنا نعلم أن أرض السواد لو كانت كما ذكر أهل المقالة الأولى لكان قد وجب فيها خمس الله بين أهله الذين جعله الله لهم وقد علمنا أنه لا يجوز للامام أن يجعل ذلك الخمس ولا شيئا منه لأهل الذمة وقد كان أهل السواد الذين أقرهم عمر رضي الله عنه صاروا أهل الذمة وقد كان السواد بأسره في أيديهم فثبت بذلك أن ما فعله عمر رضي الله عنه من ذلك كان من جهة غير الجهة التي ذكروا وهو على أنه لم يكن وجب لله عز وجل في ذلك خمس وكذلك ما فعل في رقابهم فمن عليهم بأن أقرهم في أرضيهم ونفي الرق منهم وأوجب الخراج عليهم في رقابهم وأرضيهم فملكوا بذلك أرضيهم وانتفى الرق عن رقابهم فثبت بذلك أن للامام أن يفعل هذا بما أفتتح عنوة فنفى عن أهلها رق المسلمين وعن أرضيهم ملك المسلمين ويوجب ذلك لأهلها ويضع عليهم ما يجب عليهم وضعه من الخراج كما فعل عمر رضي الله عنه بحضرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
(٢٤٨)