فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يترجل في الناس فقلت ألا تريان هذا صاحبكم الذي تسألان عنه فابتدراه فضرباه بسيفيهما حتى قتلاه ثم أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه فقال أيكما قتله فقال كل واحد منهما أنا قتلته فقال أمسحتما سيفيكما قالا لا قال فنظر في السيفين فقال كلاكما قتله وقضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح والرجلان معاذ بن عمرو بن الجموح والآخر معاذ بن عفراء أفلا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال لهما في هذا الحديث أنتما قتلتماه ثم قضى بالسلب لأحدهما دون الآخر ففي هذا دليل أن السلب لو كان واجبا للقاتل بقتله إياه لكان قد وجب سلبه لهما ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ينتزعه من أحدهما فيدفعه إلى الآخر ألا ترى أن الامام لو قال من قتل قتيلا فله سلبه فقتل رجلان قتيلا أن سلبه لهما نصفين وأنه ليس للامام أن يحرمه أحدهما ويدفعه إلى الآخر لان كل واحد منهما له فيه من الحق مثل ما لصاحبه وهما أولى به من الامام فلما كان للنبي صلى الله عليه وسلم في سلب أبي جهل أن يجعله لأحد قاتليه دون الآخر دل ذلك أنه كان أولى به منهما لأنه لم يكن قال يومئذ من قتل قتيلا فله سلبه وقد حدثنا ابن أبي داود قال ثنا ابن أبي مريم قال أخبرني بن أبي الزناد قال ثنا عبد الرحمن بن الحارث عن سليمان بن موسى عن مكحول عن أبي سلام عن أبي أمامة الباهلي عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر فلقي العدو فلما هزمهم الله تعالى أتبعتهم طائفة من المسلمين يقتلونهم وأحدقت طائفة برسول الله صلى الله عليه وسلم واستولت طائفة بالعسكر والنهب فلما نفى الله العدو ورجع الذين طلبوهم قالوا لنا النفل نحن طلبنا العدو وبنا نفاهم الله وهزمهم وقال الذين أحدقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم ما أنتم بأحق منا بل هو لنا نحن أحدقنا برسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينال منه العدو غرة وقال الذين استولوا على العسكر والنهب والله ما أنتم بأحق به منا نحن حويناه واستوليناه فأنزل الله تبارك وتعالى * (يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول إلى قوله إن كنتم مؤمنين فقسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم عن فواق أفلا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفضل في ذلك الذين تولوا القتل على الآخرين فثبت بذلك أن سلب المقتول لا يجب للقاتل بقتله صاحبه إلا بجعل الامام إياه له على ما فيه صلاح المسلمين من التحريض على قتال عدوهم
(٢٢٨)