لأهل الجنة يا أهل الجنة الحديث وفيه فيقول أحل عليكم رضواني وقد تقدم شرحه في أواخر كتاب الرقاق في باب صفة الجنة والنار قال ابن بطال استشكل بعضهم هذا لأنه يوهم أن له ان يسخط على أهل الجنة وهو خلاف ظواهر القرآن كقوله خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك لهم الامن وهم مهتدون وأجاب بان إخراج العباد من العدم إلى الوجود من تفضله واحسانه وكذلك تنجيز ما وعدهم به من الجنة والنعيم من تفضله واحسانه وأما دوام ذلك فزيادة من فضله على المجازاة لو كانت لازمة ومعاذ الله أن يجب عليه شئ فلما كانت المجازاة لا تزيد في العادة على المدة ومدة الدنيا متناهية جاز ان تتناهى مدة المجازاة فتفضل عليهم بالدوام فارتفع الاشكال جملة انتهى ملخصا وقال غيره ظاهر الحديث ان الرضا أفضل من اللقاء وهو مشكل وأجيب بأنه ليس في الخبر أن الرضا أفضل من كل شئ وانما فيه ان الرضا أفضل من العطاء وعلى تقدير التسليم فاللقاء مستلزم للرضا فهو من إطلاق اللازم وإرادة الملزوم كذا نقل الكرماني ويحتمل أن يقال المراد حصول أنواع الرضوان ومن جملتها اللقاء فلا اشكال قال الشيخ أبو محمد ابن أبي جمرة في هذا الحديث جواز إضافة المنزل لساكنه وان لم يكن في الأصل له فان الجنة ملك الله عز وجل وقد أضافها لساكنها بقوله يا أهل الجنة قال والحكمة في ذكر دوام رضاه بعد الاستقرار انه لو أخبر به قبل الاستقرار لكان خبرا من باب علم اليقين فأخبر به بعد الاستقرار ليكون من باب عين اليقين واليه الإشارة بقوله تعالى فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين قال ويستفاد من هذا انه لا ينبغي ان يخاطب أحد بشئ حتى يكون عنده ما يستدل به عليه ولو على بعضه وكذا ينبغي للمرء أن لا يأخذ من الأمور الا قدر ما يحمله وفيه الأدب في السؤال لقولهم وأي شئ أفضل من ذلك لانهم لم يعلموا شيئا أفضل مما هم فيه فاستفهموا عما لا علم لهم به فيه وان الخير كله والفضل والاغتباط انما هو في رضا الله سبحانه وتعالى وكل شئ ما عداه وان اختلفت أنواعه فهو من أثره وفيه دليل على رضا كل من أهل الجنة بحاله مع اختلاف منازلهم وتنويع درجاتهم لان الكل أجابوا بلفظ واحد وهو أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك وبالله التوفيق * ثانيهما حديث أبي هريرة ان رجلا من أهل الجنة استأذن ربه في رواية السرخسي يستأذن ربه في الزرع (قوله فأحب ان أزرع فأسرع) فيه حذف تقديره فأذن له فزرع فأسرع (قوله فإنه لا يشبعك شئ) كذا للأكثر بالمعجمة والموحدة من الشبع وللمستملي لا يسعك شئ بالمهملة بغير موحدة من الوسع (قوله فقال الأعرابي يا رسول الله لا تجد هذا الا قرشيا أو أنصاريا فإنهم أصحاب زرع) قال الداودي قوله قرشيا وهم لأنه لم يكن لأكثرهم زرع (قلت) وتعليله يرد على نفيه المطلق فإذا ثبت ان لبعضهم زرعا صدق قوله إن الزارع المذكور منهم واستشكل قوله لا يشبعك شئ بقوله تعالى في صفة الجنة ان لك ان لا تجوع فيها ولا تعرى وأجيب بان نفي الشبع لا يوجب الجوع لان بينهما واسطة وهي الكفاية واكل أهل الجنة للتنعم والاستلذاذ لا عن الجوع واختلف في الشبع فيها والصواب ان لا شبع فيها إذ لو كان لمنع دوام أكل المستلد والمراد بقوله لا يشبعك شئ جنس الآدمي وما طبع عليه فهو في طلب الازدياد الا من شاء الله تعالى وقد تقدم شرح الحديث في أواخر كتاب المزارعة بعون الله تعالى (قوله باب ذكر الله بالامر وذكر العباد بالدعاء والتضرع والرسالة والبلاغ) في رواية الكشميهني والابلاغ
(٤٠٧)