وكان مستنده ان له حقا في بيت المال فلا يضره على أي كيفية وصل إليه أو كان يرى أن التبعة في ذلك على الآخذ الأول أو ان للمعطي المذكور مالا آخر في الجملة وحقا ما في المال المذكور فلما لم يتميز وأعطاه له عن طيب نفس دخل في عموم قوله ما أتاك من هذا المال من غير سؤال ولا استشراف فخذه فرأى أنه لا يستثنى من ذلك الا ما علمه حراما محضا قال الطبري في حديث عمر الدليل الواضح على أن لمن شغل بشئ من أعمال المسلمين أخذ الرزق على عمله ذلك كالولاة والقضاة وجباة الفئ وعمال الصدقة وشبههم لاعطاء رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر العمالة على عمله وذكر ابن المنذر ان زيد بن ثابت كان يأخذ الاجر على القضاء واحتج أبو عبيد في جواز ذلك بما فرض الله للعاملين على الصدقة وجعل لهم منها حقا لقيامهم وسعيهم فيها وحكى الطبري عن العلماء هل الامر في قوله في هذا الحديث خذه وتموله للوجوب أو للندب ثالثها إن كانت العطية من السلطان فهي حرام أو مكروهة أو مباحة وإن كانت من غيره فمستحبة قال النووي والصحيح انه ان غلب الحرام حرمت وكذا إن كان مع عدم الاستحقاق وان لم يغلب الحرام وكان الآخذ مستحقا فيباح وقيل يندب في عطية السلطان دون غيره والله أعلم وقال ابن المنذر وحديث ابن السعدي حجة في جواز أرزاق القضاة من وجوهها وقال ابن بطال في الحديث ان أخذ ما جاء من المال عن غير سؤال أفضل من تركه لأنه يقع في إضاعة المال وقد ثبت النهي عن ذلك وتعقبه ابن المنير بأنه ليس من الإضاعة في شئ لان الإضاعة التبذير بغير وجه صحيح واما الترك توفيرا على المعطي تنزيها عن الدنيا وتحرجا ان لا يكون قائما بالوظيفة على وجهها فليس من الإضاعة ثم قال والوجه في تعليل الأفضلية ان الآخذ أعون في العمل وألزم للنصيحة من التارك لأنه ان لم يأخذ كان عند نفسه متطوعا بالعمل فقد لا يجد جد من اخذ ركونا إلى أنه غير ملتزم بخلاف الذي يأخذ فإنه يكون مستشعرا بأن العمل واجب عليه فيجد جده فيها وقال ابن التين وفي هذا الحديث كراهة أخذ الرزق على القضاء مع الاستغناء وان المال طيبا كذا قال قال وفيه جواز الصدقة بما لم يقبض إذا كان للمتصدق واجبا ولكن قوله خذه فتموله وتصدق به يدل على أن التصدق به انما يكون بعد القبض لان المال إذا ملكه الانسان وتصدق به طيبة به نفسه كان أفضل من تصدقه به قبل قبضه لان الذي يحصل بيده هو أحرص عليه مما لم يدخل في يده فان استوت عند أحد الحالان فمرتبته أعلى ولذلك امره بأخذه وبين له جواز تموله ان أحب أو التصدق به قال وذهب بعض الصوفية إلى أن المال إذا جاء بغير سؤال فلم يقبله فان الراد له يعاقب بحرمان العطاء وقال القرطبي في المفهم فيه ذم التطلع إلى ما في أيدي الأغنياء والتشوف إلى فضوله واخذه منهم وهي حالة مذمومة تدل على شدة الرغبة في الدنيا والركون إلى التوسع فيها فنهى الشارع عن الاخذ على هذه الصورة المذمومة قمعا للنفس ومخالفة لها في هواها انتهى وتقدمت سائر مباحثه وفوائده في الباب المذكور من كتاب الزكاة ولله الحمد * (قوله باب من قضى ولاعن في المسجد) الظرف يتعلق بالامرين فهو من تنازع الفعلين ويحتمل ان يتعلق بقضى لدخول لاعن فيه فإنه من عطف الخاص على العام ومعنى قوله ولاعن حكم بايقاع التلاعن بين الزوجين فهو مجاز ولا يشترط ان يباشر تلقينهما ذلك بنفسه (قوله ولاعن عمر عند منبر النبي صلى الله عليه وسلم) هذا أبلغ في التمسك به على جواز اللعان في المسجد وانما خص عمر المنبر لأنه كان
(١٣٦)