لا تسافروا بالقرآن إلى أرض العدو كراهية ان يناله العدو وليس المراد ما في الصدور بل ما في الصحف وأجمع السلف على أن الذي بين الدفتين كلام الله وقال بعضهم القرآن يطلق ويراد به المقروء وهو الصفة القديمة ويطلق ويراد به القراءة وهي الألفاظ الدالة على ذلك وبسبب ذلك وقع الاختلاف واما قولهم إنه منزه عن الحروف والأصوات فمرادهم الكلام النفسي القائم بالذات المقدسة فهو من الصفات الموجودة القديمة واما الحروف فإن كانت حركات أدوات كاللسان والشفتين فهي أعراض وإن كانت كتابة فهي أجسام وقيام الأجسام والاعراض بذات الله تعالى محال ويلزم من أثبت ذلك أن يقول بخلق القرآن وهو يأبى ذلك ويفر منه فألجأ ذلك بعضهم إلى ادعاء قدم الحروف كما التزمته السالمية ومنهم من التزم قيام ذلك بذاته ومن شدة اللبس في هذه المسئلة كثر نهي السلف عن الخوض فيها واكتفوا باعتقاد أن القرآن كلام الله غير مخلوق ولم يزيدوا على ذلك شيئا وهو أسلم الأقوال والله المستعان (قوله وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين) ووقع في بعض النسخ فلا تجعلوا له أندادا ذلك رب العالمين وهو غلط (قوله ولقد أوحي إليك والى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك إلى قوله بل الله فاعبد وكن من الشاكرين) ساق في رواية كريمة الآيتين بكمالهما قال الطبري هذا من الكلام الموجز الذي يراد به التقديم والمعنى ولقد أوحى إليك لئن أشركت إلى قوله من الخاسرين وأوحي إلى الذين من قبلك مثل ما أوحي إليك من ذلك ومعنى ليحبطن ليبطلن ثواب عملك انتهى والغرض هنا تشديد الوعيد على من أشرك بالله وان الشرك محذر منه في الشرائع كلها وان للانسان عمل يثاب عليه إذا سلم من الشرك ويبطل ثوابه إذا أشرك (قوله والذين لا يدعون مع الله الها آخر) أشار بايرادها إلى ما وقع في بعض طرق الحديث المرفوع في الباب كما تقدم في تفسير سورة الفرقان ففيه بعد قوله أن تزاني بحليلة جارك ونزلت هذه الآية تصديقا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم والذين لا يدعون مع الله الها آخر الآية وكأن المصنف أشار بها إلى تفسير الجعل المذكور في الآيتين قبلها وان المراد الدعاء اما بمعنى النداء واما بمعنى العبادة واما بمعنى الاعتقاد وقد رد أحمد على من تمسك من القائلين بخلق القرآن بقوله تعالى انا جعلناه قرآنا عربيا وقال هي حجة في أن القرآن مخلوق لان المجعول مخلوق فناقضه بنحو قوله تعالى فلا تجعلوا لله أندادا وذكر ابن أبي حاتم في الرد على الجهمية ان أحمد رد عليه بقوله تعالى فجعلهم كعصف مأكول فليس المعنى فخلقهم ومثله احتجاج محمد بن أسلم الطوسي بقوله تعالى وقوم نوح لما كذبوا الرسل أغرقناهم وجعلناهم للناس آية قال أفخلقهم بعد أن أغرقهم وعن إسحاق بن راهويه انه احتج عليه بقوله تعالى وجعلوا لله شركاء الجن وعن نعيم بن حماد أنه احتج عليه بقوله تعالى جعلوا القرآن عضين وعن عبد العزيز بن يحيى المكي في مناظرته لبشر المريسي حين قال له ان قوله تعالى انا جعلناه قرآنا عربيا نص في أنه مخلوق فناقضه بقوله تعالى وقد جعلتم الله عليكم كفيلا وبقوله تعالى لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا وحاصل ذلك أن الجعل جاء في القرآن وفي لغة العرب لمعان متعددة قال الراغب جعل لفظ عام في الافعال كلها ويتصرف على خمسة أوجه الأول صار نحو جعل زيد يقول والثاني أوجد كقوله تعالى وجعل الظلمات والنور والثالث إخراج شئ من شئ كقوله تعالى وجعل لكم من أزواجكم بنين والرابع تصيير شئ على
(٤١٢)