مع الاعراض عن القيام بمقتضى ما سمع فان هذا مما يدخل في النهي فالتفقه في الدين انما يحمد إذا كان للعمل لا للمراء والجدال وسيأتي بسط ذلك قريبا إن شاء الله تعالى (قوله باب ما يكره من كثرة السؤال وتكلف ما لا يعنيه وقوله تعالى لا تسألوا عن أشياء ان تبد لكم تسؤكم) كأنه يريد ان يستدل بالآية على المدعي من الكراهة وهو مصير منه إلى ترجيح بعض ما جاء في تفسيرها وقد ذكرت الاختلاف في سبب نزولها في تفسير سورة المائدة وترجيح ابن المنير انه في كثرة المسائل عما كان وعما لم يكن وصنيع البخاري يقتضيه والأحاديث التي ساقها في الباب تؤيده وقد اشتد إنكار جماعة من الفقهاء ذلك منهم القاضي أبو بكر بن العربي فقال اعتقد قوم من الغافلين منع السؤال عن النوازل إلى أن تقع تعلقا بهذه الآية وليس كذلك لأنها مصرحة بأن المنهي عنه ما تقع المسئلة في جوابه ومسائل النوازل ليست كذلك انتهى وهو كما قال لان ظاهرها اختصاص ذلك بزمان نزول الوحي ويؤيده حديث سعد الذي صدر به المصنف الباب من سأل عن شئ لم يحرم فحرم من أجل مسئلته فان مثل ذلك قد أمن وقوعه ويدخل في معنى حديث سعد ما أخرجه البزار وقال سنده صالح وصححه الحاكم من حديث أبي الدرداء رفعه ما أحل الله في كتابه فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عفو فاقبلوا من الله عافيته فان الله لم يكن ينسى شيئا ثم تلا هذه الآية وما كان ربك نسيا وأخرج الدارقطني من حديث أبي ثعلبة رفعه ان الله فرض فرائض فلا تضيعوها وحد حدودا فلا تعتدوها وسكت عن أشياء رحمة لكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها وله شاهد من حديث سلمان أخرجه الترمذي وآخر من حديث ابن عباس أخرجه أبو داود وقد أخرج مسلم وأصله في البخاري كما تقدم في كتاب العلم من طريق ثابت عن أنس قال كنا نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شئ وكان يعجبنا ان يجئ الرجل الغافل من أهل البادية فيسأله ونحن نسمع فذكر الحديث ومضى في قصة اللعان من حديث ابن عمر فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل وعابها ولمسلم عن النواس بن سمعان قال أقمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة بالمدينة ما يمنعني من الهجرة الا المسألة كان أحدنا إذا هاجر لم يسأل النبي صلى الله عليه وسلم ومراده انه قدم وافدا فاستمر بتلك الصورة ليحصل المسائل خشية أن يخرج من صفة الوفد إلى استمرار الإقامة فيصير مهاجرا فيمتنع عليه السؤال وفيه إشارة إلى أن المخاطب بالنهي عن السؤال غير الاعراب وفودا كانوا أو غيرهم وأخرج أحمد عن أبي أمامة قال لما نزلت يا أيها الذي آمنوا لا تسألوا عن أشياء الآية كنا قد اتقينا أن نسأله صلى الله عليه وسلم فأتينا أعرابيا فرشوناه بردا وقلنا سل النبي صلى الله عليه وسلم ولأبي يعلى عن البراء إن كان ليأتي علي السنة أريد أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشئ فأتهيب وان كنا لنتمنى الاعراب أي قدومهم ليسألوا فيسمعوهم أجوبة سؤالات الاعراب فيستفيدوها وأما ما ثبت في الأحاديث من أسئلة الصحابة فيحتمل ان يكون قبل نزول الآية ويحتمل ان النهي في الآية لا يتناول ما يحتاج إليه مما تقرر حكمه أو ما لهم بمعرفته حاجة راهنة كالسؤال عن الذبح بالقصب والسؤال عن وجوب طاعة الامراء إذا أمروا بغير الطاعة والسؤال عن أحوال يوم القيامة وما قبلها من الملاحم والفتن والأسئلة التي في القرآن كسؤالهم عن الكلالة والخمر والميسر والقتال في الشهر الحرام واليتامى والمحيض والنساء والصيد وغير ذلك
(٢٢٤)