الموثوق بديانتهم إذا عقدوا عقد الخلافة لشخص بعد التشاور والاجتهاد لم يكن لغيرهم ان يحل ذلك العقد إذ لو كان العقد لا يصح الا باجتماع الجميع قال قائل لا معنى لتخصيص هؤلاء الستة فلما لم يعترض منهم معترض بل رضوا وبايعوا دل ذلك على صحة ما قلناه انتهى ملخصا من كتاب ابن بطال ويتحصل منه جواب من ظن أنه يلزم منه ان عمر كان يرى جواز ولاية المفضول مع وجود الفاضل والذي يظهر من سيرة عمر في أمرائه الذين كان يؤمرهم في البلاد انه كان لا يراعي الأفضل في الدين فقط بل يضم إليه مزيد المعرفة بالسياسة مع اجتناب ما يخالف الشرع منها فلأجل هذا استخلف معاوية والمغيرة بن شعبة وعمرو بن العاص مع وجود من هو أفضل من كل منهم في أمر الدين والعلم كأبي الدرداء في الشام وابن مسعود في الكوفة وفيه ان الشركاء في الشئ إذا وقع بينهم التنازع في أمر من الأمور يسندون أمرهم إلى واحد ليختار لهم بعد أن يخرج نفسه من ذلك الامر وفيه ان من أسند إليه ذلك يبذل وسعه في الاختيار ويهجر أهله وليله اهتماما بما هو فيه حتى يكمله وقال ابن المنير في الحديث دليل على أن الوكيل المفوض له أن يوكل وان لم ينص على ذلك لان الخمسة أسندوا الامر لعبد الرحمن وأفردوه به فاستقل مع أن عمر لم ينص لهم على الانفراد قال وفيه تقوية لقول الشافعي في المسئلة الفلانية قولان أي انحصر الحق عندي فيهما وانا في مهلة النظر في التعيين وفيه ان احداث قول زائد على ما أجمع عليه لا يجوز وهو كاحداث سابع في أهل الشورى قال وفي تأخير عبد الرحمن مؤامرة عثمان عن مؤامرة على سياسة حسنة منتزعة من تأخير يوسف تفتيش رحل أخيه في قصة الصاع ابعادا للتهمة وتغطية للحدس لأنه رأى أن لا ينكشف اختياره لعثمان قبل وقوع البيعة (قوله باب من بايع مرتين) أي في حالة واحدة (قوله عن سلمة) تقدم في باب البيعة في الحرب من كتاب الجهاد من رواية المكي بن إبراهيم حدثنا يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بأتم من هذا السياق وفيه بايعت النبي صلى الله عليه وسلم ثم عدلت إلى ظل شجرة فلما خف الناس قال يا ابن الأكوع ألا تبايع (قوله قد بايعت في الأول قال وفي الثاني) والمراد بذلك الوقت وفي رواية الكشميهني في الأولى بالتأنيث قال وفي الثانية والمراد الساعة أو الطائفة ووقع في رواية مكي فقلت قد بايعت يا رسول الله قال وأيضا فبايعته الثانية وزاد فقلت له يا أبا مسلم على أي شئ كنتم تبايعون يومئذ قال على الموت وقد تقدم البحث في ذلك هناك وقال المهلب فيما ذكره ابن بطال أراد أن يؤكد بيعة سلمة لعلمه بشجاعته وعنائه في الاسلام وشهرته بالثبات فلذلك امره بتكرير المبايعة ليكون له في ذلك فضيلة (قلت) ويحتمل ان يكون سلمة لما بادر إلى المبايعة ثم قعد قريبا واستمر الناس يبايعون إلى أن خفوا أراد صلى الله عليه وسلم منه ان يبايع لتتوالى المبايعة معه ولا يقع فيها تخلل لان العادة في مبدأ كل أمر أن يكثر من يباشره فيتوالى فإذا تناهى قد يقع بين من يجئ آخرا تخلل ولا يلزم من ذلك اختصاص سلمة بما ذكر والواقع ان الذي أشار إليه ابن بطال من حال سلمة في الشجاعة وغيرها لم يكن ظهر بعد لأنه انما وقع منه بعد ذلك في غزوة ذي قرد حيث استعاد السرح الذي كان المشركون أغاروا عليه فاستلب ثيابهم وكان آخر أمره أن أسهم له النبي صلى الله عليه وسلم سهم الفارس والراجل فالأولى أن يقال تفرس فيه النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فبايعه مرتين وأشار بذلك إلى أنه سيقوم في الحرب مقام رجلين فكان كذلك وقال ابن المنير يستفاد من هذا الحديث ان إعادة لفظ العقد في النكاح وغيره
(١٧٢)