كلامه في ردها دون ما يقابلها فلما ابتلي أحمد بمن يقول القرآن مخلوق كان أكثر كلامه في الرد عليهم حتى بالغ فأنكر على من يقف ولا يقول مخلوق ولا غير مخلوق وعلى من قال لفظي بالقرآن مخلوق لئلا يتدرع بذلك من يقول القرآن بلفظي مخلوق مع أن الفرق بينهما لا يخفى عليه لكنه قد يخفى على البعض وأما البخاري فابتلي بمن يقول أصوات العباد غير مخلوقة حتى بالغ بعضهم فقال والمداد والورق بعد الكتابة فكان أكثر كلامه في الرد عليهم وبالغ في الاستدلال بان أفعال العباد مخلوقة بالآيات والأحاديث وأطنب في ذلك حتى نسب إلى أنه من اللفظية مع أن قول من قال إن الذي يسمع من القارئ هو الصوت القديم لا يعرف عن السلف ولا قاله أحمد ولا أئمة أصحابه وانما سبب نسبة ذلك لأحمد قوله من قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي فظنوا أنه سوى بين اللفظ والصوت ولم ينقل عن أحمد في الصوت ما نقل عنه في اللفظ بل صرح في مواضع بأن الصوت المسموع من القارئ هو صوت القارئ ويؤيده حديث زينوا القرآن بأصواتكم وسيأتي قريبا والفرق بينهما ان اللفظ يضاف إلى المتكلم به ابتداء فيقال عمن روى الحديث بلفظه هذا لفظه ولمن رواه بغير لفظه هذا معناه ولفظه كذا ولا يقال في شئ من ذلك هذا صوته فالقرآن كلام الله لفظه ومعناه ليس هو كلام غيره واما قوله تعالى انه لقول رسول كريم واختلف هل المراد جبريل أو الرسول عليهما الصلاة والسلام فالمراد به التبليغ لان جبريل مبلغ عن الله تعالى إلى رسوله والرسول صلى الله عليه وسلم مبلغ للناس ولم ينقل عن أحمد قط ان فعل العبد قديم ولا صوته وانما أنكر إطلاق اللفظ وصرح البخاري بأن أصوات العباد مخلوقة وان أحمد لا يخالف ذلك فقال في كتاب خلق أفعال العباد ما يدعونه عن أحمد ليس الكثير منه بالبين ولكنهم لم يفهموا مراده ومذهبه والمعروف عن أحمد وأهل العلم أن كلام الله تعالى غير مخلوق وما سواه مخلوق لكنهم كرهوا التنقيب عن الأشياء الغامضة وتجنبوا الخوض فيها والتنازع الا ما بينه الرسول عليه الصلاة والسلام ثم نقل عن بعض أهل عصره أنه قال القرآن بألفاظنا وألفاظنا بالقرآن شئ واحد فالتلاوة هي المتلو والقراءة هي المقروء قال فقيل له ان التلاوة فعل التالي فقال ظننتها مصدرين قال فقيل له أرسل إلي من كتب عنك ما قلت فاستدره فقال كيف وقد مضى انتهى ومحصل ما نقل عن أهل الكلام في هذا المسئلة خمسة أقوال الأول قول المعتزلة انه مخلوق والثاني قول الكلابية انه قديم قائم بذات الرب ليس بحروف ولا أصوات والموجود بين الناس عبارة عنه لا عينه والثالث قول السالمية انه حروف وأصوات قديمة الأعين وهو عين هذه الحروف المكتوبة والأصوات المسموعة والرابع قول الكرامية انه محدث لا مخلوق وسيأتي بسط القول فيه في الباب الذي بعده والخامس انه كلام الله غير مخلوق انه لم يزل يتكلم إذا شاء نص على ذلك أحمد في كتاب الرد على الجهمية وافترق أصحابه فرقتين منهم من قال هو لازم لذاته والحروف والأصوات مقترنة لا متعاقبة ويسمع كلامه من شاء وأكثرهم قال إنه متكلم بما شاء متى شاء وانه نادى موسى عليه السلام حين كلمه ولم يكن ناداه من قبل والذي استقر عليه قول الأشعرية ان القرآن كلام الله غير مخلوق مكتوب في المصاحف محفوظ في الصدور مقروء بالألسنة قال الله تعالى فأجره حتى يسمع كلام الله وقال تعالى بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم وفي الحديث المتفق عليه عن ابن عمر كما تقدم في الجهاد
(٤١١)