بعد أن ساق آثارا كثيرة في ذم الرأي ما ملخصه اختلف العلماء في الرأي المقصود إليه بالذم في هذه الآثار مرفوعها وموقوفها ومقطوعها فقالت طائفة هو القول في الاعتقاد بمخالفة السنن لانهم استعملوا آراءهم وأقيستهم في رد الأحاديث حتى طعنوا في المشهور منها الذي بلغ التواتر كأحاديث الشفاعة وأنكروا ان يخرج أحد من النار بعد أن يدخلها وأنكروا الحوض والميزان وعذاب القبر إلى غير ذلك من كلامهم في الصفات والعلم والنظر وقال أكثر أهل العلم الرأي المذموم الذي لا يجوز النظر فيه ولا الاشتغال به هو ما كان في نحو ذلك من ضروب البدع ثم أسند عن أحمد بن حنبل قال لا تكاد ترى أحدا نظر في الرأي الا وفي قلبه دغل قال وقال جمهور أهل العلم الرأي المذموم في الآثار المذكورة هو القول في الاحكام بالاستحسان والتشاغل بالأغلوطات ورد الفروع بعضها إلى بعض دون ردها إلى أصول السنن وأضاف كثير منهم إلى ذلك من يتشاغل بالاكثار منها قبل وقوعها لما يلزم من الاستغراق في ذلك من تعطيل السنن وقوى ابن عبد البر هذا القول الثاني واحتج له ثم قال ليس أحد من علماء الأمة يثبت عنده حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشئ ثم يرده الا بادعاء نسخ أو معارضة أثر غيره أو إجماع أو عمل يجب على أصله الانقياد إليه أو طعن في سنده ولو فعل ذلك بغير ذلك لسقطت عدالته فضلا عن أن يتخذ إماما وقد أعاذهم الله تعالى من ذلك ثم ختم الباب بما بلغه عن سهل بن عبد الله التستري الزاهد المشهور قال ما أحدث أحد في العلم شيئا الا سئل عنه يوم القيامة فان وافق السنة سلم والا فلا (قوله باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يسئل مما لم ينزل عليه الوحي فيقول لا أدري أو لم يجب حتى ينزل عليه الوحي) أي كان له إذا سئل عن الشئ الذي لم يوحى إليه فيه حالان اما أن يقول لا أدري واما ان يسكت حتى يأتيه بيان ذلك بالوحي والمراد بالوحي أعم من المتعبد بتلاوته ومن غيره ولم يذكر لقوله لا أدري دليلا فان كلا من الحديثين المعلق والموصول من أمثلة الشق الثاني وأجاب بعض المتأخرين بأنه استغنى بعدم جوابه به وقال الكرماني في قوله في الترجمة لا أدري حزازة إذ ليس في الحديث ما يدل عليه ولم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم ذلك كذا قال وهو تساهل شديد منه في الاقدام على نفي الثبوت كما سأبينه والذي يظهر انه أشار في الترجمة إلى ما ورد في ذلك ولكنه لم يثبت عنده منه شئ على شرطه وإن كان يصلح للحجة كعادته في أمثال ذلك وأقرب ما ورد عنده في ذلك حديث ابن مسعود الماضي في تفسير سورة ص من علم شيئا فليقل به ومن لم يعلم فليقل الله أعلم الحديث لكنه موقوف والمراد منه انما هو ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم انه أجاب بلا أعلم أو لا أدري وقد وردت فيه عدة أحاديث منها حديث ابن عمر جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أي البقاع خير قال لا أدري فأتاه جبريل فسأله فقال لا أدري فقال سل ربك فانتفض جبريل انتفاضة الحديث أخرجه ابن حبان وللحاكم نحوه من حديث جبير بن مطعم وفي الباب عن أنس عند ابن مردويه واما حديث أبي هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما أدري الحدود كفارة لأهلها أم لا وهو عند الدارقطني والحاكم فقد تقدم في شرح حديث عبادة من كتاب العلم الكلام عليه وطريق الجمع بينه وبين حديث عبادة ووقع الالمام بشئ من ذلك في كتاب الحدود أيضا وقال ابن الحاجب في أوائل مختصرة لثبوت لا أدري وقد أوردت من ذلك ما تيسر في الأمالي في تخريج أحاديث المختصر (قوله ولم يقل برأي
(٢٤٦)