لمشابهة الكاهن بالمنافق من جهة انه لا ينتفع بالكلمة الصادقة لغلبة الكذب عليه ولفساد حاله كما أن المنافق لا ينتفع بقراءته لفساد عقيدته والذي يظهر لي من مراد البخاري ان تلفظ المنافق بالقرآن كما يتلفظ به المؤمن فتختلف تلاوتهما والمتلو واحد فلو كان المتلو عين التلاوة لم يقع فيه تخالف وكذلك الكاهن في تلفظه بالكلمة من الوحي التي يخبره بها الجني مما يختطفه من الملك تلفظه بها وتلفظ الجني مغاير لتلفظ الملك فتفاوتا * الحديث الثالث (قوله عن معبد بن سيرين) هو أخو محمد وهو أكبر منه والسند كله بصريون الا الصحابي وقد دخل البصرة (قوله يخرج ناس من قبل المشرق) تقدم في كتاب الفتن انهم الخوارج وبيان مبدأ أمرهم وما ورد فيهم وكان ابتداء خروجهم في العراق وهي من جهة المشرق بالنسبة إلى مكة المشرفة (قوله لا يجاوز تراقيهم) جمع ترقوة بفتح أوله وسكون الراء وضم القاف وفتح الواو وهي العظم الذي بين نقرة النحر والعاتق وذكره في الترجمة بلفظ حناجرهم جمع حنجرة وهي الحلقوم وتقدم بيان الحلقوم في أواخر كتاب العلم وقد رواه عبد الرحمن بن أبي نعم عن أبي سعيد بلفظ حناجرهم وتقدم في باب قوله تعالى تعرج الملائكة والروح إليه من كتاب التوحيد (قوله قيل ما سيماهم) بكسر المهملة وسكون التحتانية أي علامتهم والسائل عن ذلك لم أقف على تعيينه (قوله التحليق أو قال التسبيد) شك من الراوي وهو بالمهملة والموحدة بمعنى التحليق وقيل أبلغ منه وهو بمعنى الاستئصال وقيل إن نبت بعد أيام وقيل هو ترك دهن الشعر وغسله قال الكرماني فيه اشكال وهو انه يلزم من وجود العلامة وجود ذي العلامة فيستلزم ان كل من كان محلوق الرأس فهو من الخوارج والامر بخلاف ذلك اتفاقا ثم أجاب بان السلف كانوا لا يحلقون رؤوسهم الا للنسك أو في الحاجة والخوارج اتخذوه ديدنا فصار شعارا لهم وعرفوا به قال ويحتمل ان يراد به حلق الرأس واللحية وجميع شعورهم وان يراد به الافراط في القتل والمبالغة في المخالفة في أمر الديانة (قلت) الأول باطل لأنه لم يقع من الخوارج والثاني محتمل لكن طرق الحديث المتكاثرة كالصريحة في إرادة حلق الرأس والثالث كالثاني والله أعلم * (تنبيه) * وقع لابن بطال في وصف الخوارج خبط أردت التنبيه عليه لئلا يغتر به وذلك أنه قال يمكن ان يكون هذا الحديث في قوم عرفهم النبي صلى الله عليه وسلم بالوحي أنهم خرجوا ببدعتهم عن الاسلام إلى الكفر وهم الذين قتلهم علي بالنهروان حين قالوا انك ربنا فاغتاظ عليهم وأمر بهم فحرقوا بالنار فزادهم ذلك فتنة وقالوا الآن تيقنا انك ربنا إذ لا يعذب بالنار الا الله انتهى وقد تقدمت هذه القصة لعلي في الفتن وليست للخوارج وانما هي للزنادقة كما وقع مصرحا به في بعض طرقه ووقع في شرح الوجيز للرافعي عند ذكر الخوارج قال هم فرقة من المبتدعة خرجوا على علي حيث اعتقدوا انه يعرف قتلة عثمان ويقدر عليهم ولا يقتص منهم لرضاه بقتله ومواطأته إياهم ويعتقدون ان من اتى كبيرة فقد كفر واستحق الخلود في النار ويطعنون لذلك في الأئمة انتهى وليس الوصف الأول في كلامه وصف الخوارج المبتدعة وانما هو وصف النواصب اتباع معاوية بصفين واما الخوارج فمن معتقدهم تكفير عثمان وانه قتل بحق ولم يزالوا مع علي حتى وقع التحكيم بصفين فأنكروا التحكيم وخرجوا على علي وكفروه وقد تقدم القول فيهم مبسوطا في كتاب الفتن (قوله باب قول الله تعالى ونضع الموازين القسط ليوم القيامة) كذا لأبي ذر وسقط لأكثرهم ليوم القيامة والموازين جمع ميزان
(٤٤٨)