وليست محبة العبد لربه نفس الإرادة بل هي شئ زائد عليها فان المرء يجد من نفسه انه يحب ما لا يقدر على اكتسابه ولا على تحصيله والإرادة هي التي تخصص الفعل ببعض وجوهه الجائزة ويحس من نفسه انه يحب الموصوفين بالصفات الجميلة والافعال الحسنة كالعلماء والفضلاء والكرماء وان لم يتعلق له بهم إرادة مخصصة وإذا صح الفرق فالله سبحانه وتعالى محبوب لمحبيه على حقيقة المحبة كما هو معروف عند من رزقه الله شيئا من ذلك فنسأل الله تعالى ان يجعلنا من محبيه المخلصين وقال البيهقي المحبة والبغض عند بعض أصحابنا من صفات الفعل فمعنى محبته اكرام من أحبه ومعنى بغضه اهانته واما ما كان من المدح والذم فهو من قوله وقوله من كلامه وكلامه من صفات ذاته فيرجع إلى الإرادة فمحبته الخصال المحمودة وفاعلها يرجع إلى ارادته اكرامه وبغضه الخصال المذمومة وفاعلها يرجع إلى ارادته اهانته * (قوله باب قول الله تبارك وتعالى قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أياما تدعوا فله الأسماء الحسنى) ذكر فيه حديث جرير لا يرحم الله من لا يرحم الناس وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب الأدب وحديث أسامة بن زيد في قصة ولد بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضى عنها وفيه ففاضت عيناه وفيه هذه رحمة جعلها الله تعالى في قلوب عباده وانما يرحم الله من عباده الرحماء وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب الجنائز قال ابن بطال غرضه في هذا الباب اثبات الرحمة وهي من صفات الذات فالرحمن وصف وصف الله تعالى به نفسه وهو متضمن لمعنى الرحمة كما تضمن وصفه بأنه عالم معنى العلم إلى غير ذلك قال والمراد برحمته ارادته نفع من سبق في علمه انه ينفعه قال وأسماؤه كلها ترجع إلى ذات واحدة وان دل كل واحد منها على صفة من صفاته يختص الاسم بالدلالة عليها واما الرحمة التي جعلها في قلوب عباده فهي من صفات الفعل وصفها بأنه خلقها في قلوب عباده وهي رقة على المرحوم وهو سبحانه وتعالى منزه عن الوصف بذلك فتتأول بما يليق به وقال ابن التين الرحمن والرحيم مشتقان من الرحمة وقيل هما اسمان من غير اشتقاق وقيل يرجعان إلى معنى الإرادة فرحمته ارادته تنعيم من يرحمه وقيل راجعان إلى تركه عقاب من يستحق العقوبة وقال الحليمي معنى الرحمن انه مزيح العلل لأنه لما أمر بعبادته بين حدودها وشروطها فبشر وانذر وكلف ما تحمله بنيتهم فصارت العلل عنهم مزاحة والحجج منهم منقطعة قال ومعنى الرحيم انه المثيب على العمل فلا يضيع لعامل أحسن عملا بل يثيب العامل بفضل رحمته أضعاف عمله وقال الخطابي ذهب الجمهور إلى أن الرحمن مأخوذ من الرحمة مبني على المبالغة ومعناه ذو الرحمة لا نظير له فيها ولذلك لا يثنى ولا يجمع واحتج له البيهقي بحديث عبد الرحمن بن عوف وفيه خلقت الرحم وشققت لها اسما من اسمي (قلت) وكذا حديث الرحمة الذي اشتهر بالمسلسل بالأولية أخرجه البخاري في التاريخ وأبو داود والترمذي والحاكم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص بلفظ الراحمون يرحمهم الرحمن الحديث ثم قال الخطابي فالرحمن ذو الرحمة الشاملة للخلق والرحيم فعيل بمعنى فاعل وهو خاص بالمؤمنين قال تعالى وكان بالمؤمنين رحيما وأورد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال الرحمن والرحيم اسمان رقيقان أحدهما أرق من الآخر وعن مقاتل انه نقل عن جماعة من التابعين مثله وزاد فالرحمن بمعنى المترحم والرحيم بمعنى المتعطف ثم قال الخطابي لا معنى لدخول الرقة في شئ من صفات الله تعالى وكأن المراد بها اللطف ومعناه الغموض لا الصغر الذي هو من صفات الأجسام (قلت) والحديث
(٣٠٣)