النبي صلى الله عليه وسلم إبانة لعظيم منزلته وشريف رتبته وبالنسبة إلى الله عز وجل تأنيس لنبيه واكرام له ويتأول فيه ما قالوه في حديث ينزل ربنا إلى السماء وكذا في حديث من تقرب مني شبرا تقربت منه ذراعا وقال غيره الدنو مجاز عن القرب المعنوي لاظهار عظيم منزلته عند ربه تعالى والتدلي طلب زيادة القرب وقاب قوسين بالنسبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم عبارة عن لطف المحل وإيضاح المعرفة وبالنسبة إلى الله إجابة سؤاله ورفع درجته وقال عبد الحق في الجمع بين الصحيحين زاد فيه يعني شريكا زيادة مجهولة واتى فيه بألفاظ غير معروفة وقد روى الاسراء جماعة من الحفاظ فلم يأت أحد منهم بما اتى به شريك وشريك ليس بالحافظ وسبق إلى ذلك أبو محمد ابن حزم فيما حكاه الحافظ أبو الفضل بن طاهر في جزء جمعه سماه الانتصار لأيامي الأمصار فنقل فيه عن الحميدي عن ابن حزم قال لم نجد للبخاري ومسلم في كتابيهما شيئا لا يحتمل مخرجا الا حديثين ثم غلبه في تخريجه الوهم مع اتقانهما وصحة معرفتهما فذكر هذا الحديث وقال فيه ألفاظ معجمة والآفة من شريك من ذلك قوله قبل ان يوحى إليه وانه حينئذ فرض عليه الصلاة قال وهذا لا خلاف بين أحد من أهل العلم انما كان قبل الهجرة بسنة وبعد ان أوحي إليه بنحو اثني عشرة سنة ثم قوله إن الجبار دنا فتدلى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى وعائشة رضي الله عنها تقول ان الذي دنى فتدلى جبريل انتهى وقد تقدم الجواب عن ذلك وقال أبو الفضل بن طاهر تعليل الحديث بتفرد شريك ودعوى ابن حزم ان الآفة منه شئ لم يسبق إليه فان شريكا قبله أئمة الجرح والتعديل ووثقوه ورووا عنه وادخلوا حديثه في تصانيفهم واحتجوا به وروى عبد الله ابن أحمد الدورقي وعثمان الدارمي وعباس الدوري عن يحيى بن معين لا بأس به وقال ابن عدي مشهور من أهل المدينة حدث عنه مالك وغيره من الثقات وحديثه إذا روى عنه ثقة لا بأس به الا ان يروي عنه ضعيف قال ابن طاهر وحديثه هذا رواه عنه ثقة وهو سليمان بن بلال قال وعلى تقدير تسليم تفرده بقوله قبل أن يوحى إليه لا يقتضي طرح حديثه فوهم الثقة في موضع من الحديث لا يسقط جميع الحديث ولا سيما إذا كان الوهم لا يستلزم ارتكاب محذور ولو وهم حديث من وهم في تاريخ لترك حديث جماعة من أئمة المسلمين ولعله أراد أن يقول بعد أن أوحي إليه فقال قبل أن يوحى إليه انتهى وقد سبق إلى التنبيه على ما في رواية شريك من المخالفة مسلم في صحيحه فإنه قال بعد أن ساق سنده وبعض المتن ثم قال فقدم وأخر وزاد ونقص وسبق ابن حزم أيضا إلى الكلام في شريك أبو سليمان الخطابي كما قدمته وقال فيه النسائي وأبو محمد ابن الجارود ليس بالقوي وكان يحيى بن سعيد القطان لا يحدث عنه نعم قال محمد بن سعد وأبو داود ثقة فهو مختلف فيه فإذا تفرد عد ما ينفرد به شاذا وكذا منكرا على رأي من يقول المنكر والشباذ شئ واحد والأولى التزام ورود المواضع التي خالف فيها غيره والجواب عنها اما بدفع تفرده واما بتأويله على وفاق الجماعة ومجموع ما خالفت فيه رواية شريك غيره من المشهورين عشرة أشياء بل تزيد على ذلك الأول أمكنة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في السماوات وقد أفصح بأنه لم يضبط منازلهم وقد وافقه الزهري في بعض ما ذكر كما سبق في أول كتاب الصلاة الثاني كون المعراج قبل البعثة وقد سبق الجواب عن ذلك وأجاب بعضهم عن قوله قبل أن يوحى بأن القبلية هنا في أمر مخصوص وليست مطلقة واحتمل ان يكون المعنى قبل ان يوحى إليه في شأن
(٤٠٤)