الأنبياء يقبل التعبير وتقدم من أمثلة ذلك قول الصحابة له صلى الله عليه وسلم في رؤية القميص فما أولته يا رسول الله قال الدين وفي رؤية اللبن قال العلم إلى غير ذلك لكن جزم الخطابي بأنه كان في المنام متعقب بما تقدم تقريره قبل ثم قال الخطابي مشيرا إلى رفع الحديث من أصله بأن القصة بطولها انما هي حكاية يحكيها أنس من تلقاء نفسه لم يعزها إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولا نقلها عنه ولا أضافها إلى قوله فحاصل الامر في النقل انها من جهة الراوي اما من أنس واما من شريك فإنه كثير التفرد بمناكير الألفاظ التي لا يتابعه عليها سائر الرواة انتهى وما نفاه من أن أنسا لم يسند هذه القصة إلى النبي صلى الله عليه وسلم لا تأثير له فأدنى أمره فيها ان يكون مرسل صحابي فاما ان يكون تلقاها عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن صحابي تلقاها عنه ومثل ما اشتملت عليه لا يقال بالرأي فيكون لها حكم الرفع ولو كان لما ذكره تأثير لم يحمل حديث أحد روى مثل ذلك على الرفع أصلا وهو خلاف عمل المحدثين قاطبة فالتعليل بذلك مردود ثم قال الخطابي ان الذي وقع في هذه الرواية من نسبة التدلي للجبار عز وجل مخالف لعامة السلف والعلماء وأهل التفسير من تقدم منهم ومن تأخر قال والذي قيل فيه ثلاثة أقوال أحدها انه دنا جبريل من محمد صلى الله عليه وسلم فتدلى أي تقرب منه وقيل هو على التقديم والتأخير أي تدلى فدنا لان التدلي بسبب الدنو الثاني تدلى له جبريل بعد الانتصاب والارتفاع حتى رآه متدليا كما رآه مرتفعا وذلك من آيات الله حيث أقدره على أن يتدلى في الهواء من غير اعتماد على شئ ولا تمسك بشئ الثالث دنا جبريل فتدلى محمد صلى الله عليه وسلم ساجدا لربه تعالى شكرا على ما أعطاه قال وقد روى هذا الحديث عن أنس من غير طريق شريك فلم يذكر فيه هذه الألفاظ الشنيعة وذلك مما يقوي الظن أنها صادرة من جهة شريك انتهى وقد أخرج الأموي في مغازيه ومن طريقه البيهقي عن محمد ابن عمرو عن أبي سلمة عن ابن عباس في قوله تعالى ولقد رآه نزلة أخرى قال دنا منه ربه وهذا سند حسن وهو شاهد قوي لرواية شريك ثم قال الخطابي وفي هذا الحديث لفظة أخرى تفرد بها شريك أيضا لم يذكرها غيره وهي قوله فعلا به يعني جبريل إلى الجبار تعالى فقال وهو مكانه يا رب خفف عنا قال والمكان لا يضاف إلى الله تعالى انما هو مكان النبي صلى الله عليه وسلم في مقامه الأول الذي قام فيه قبل هبوطه انتهى وهذا الأخير متعين وليس في السياق تصريح بإضافة المكان إلى الله تعالى وأما ما جزم به من مخالفة السلف والخلف لرواية شريك عن أنس في التدلي ففيه نظر فقد ذكرت من وافقه وقد نقل القرطبي عن ابن عباس أنه قال دنا الله سبحانه وتعالى قال والمعنى دنا أمره وحكمه وأصل التدلي النزول إلى الشئ حتى يقرب منه قال وقيل تدلى الرفرف لمحمد صلى الله عليه وسلم حتى جلس عليه ثم دنا محمد من ربه انتهى وقد تقدم في تفسير سورة النجم ما ورد من الأحاديث في أن المراد بقوله رآه ان النبي صلى الله عليه وسلم رأى جبريل له ستمائة جناح ومضى بسط القول في ذلك هناك ونقل البيهقي نحو ذلك عن أبي هريرة قال فاتفقت روايات هؤلاء على ذلك ويعكر عليه قوله بعد ذلك فأوحى إلى عبده ما أوحى ثم نقل عن الحسن أن الضمير في عبده لجبريل والتقدير فأوحى الله إلى جبريل وعن الفراء التقدير فأوحى جبريل إلى عبد الله محمد ما اوحى وقد أزال العلماء اشكاله فقال القاضي عياض في الشفاء إضافة الدنو والقرب إلى الله تعالى أو من الله ليس دنو مكان ولا قرب زمان وانما هو بالنسبة إلى
(٤٠٣)