ساق في رواية كريمة الآية كلها ذكر فيه حديث عبد الله وهو ابن مسعود اجتمع عند البيت وفيه يسمع ان جهرنا ولا يسمع أن أخفينا فأنزل الله تعالى وما كنتم تستترون وقد تقدم شرحه في تفسير فصلت قال ابن بطال غرض البخاري في هذا الباب اثبات السمع لله وأطال في تقرير ذلك وقد تقدم في أوائل التوحيد في قوله وكان الله سميعا بصيرا والذي أقول إن غرضه في هذا الباب اثبات ما ذهب إليه أن الله يتكلم متى شاء وهذا الحديث من أمثلة إنزال الآية بعد الآية على السبب الذي يقع في الأرض وهذا ينفصل عنه من ذهب إلى أن الكلام صفة قائمة بذاته أن الانزال بحسب الوقائع من اللوح المحفوظ أو من السماء الدنيا كما ورد في حديث ابن عباس رفعه نزل القرآن دفعة واحدة إلى السماء الدنيا فوضع في بيت العزة ثم أنزل إلى الأرض نجوما رواه أحمد في مسنده وسيأتي مزيد لهذا في الباب الذي يليه قال ابن بطال وفي هذا الحديث اثبات القياس الصحيح وابطال القياس الفاسد لان الذي قال يسمع ان جهرنا ولا يسمع ان أخفينا قاس قياسا فاسدا لأنه شبه سمع الله تعالى بأسماع خلقه الذين يسمعون الجهر ولا يسمعون السر والذي قال إن كان يسمع ان جهرنا فإنه يسمع ان أخفينا أصاب في قياسه حيث لم يشبه الله بخلقه ونزهه عن مماثلتهم وانما وصف الجميع بقلة الفقه لان هذا الذي أصاب لم يعتقد حقيقة ما قال بل شك بقوله إن كان وقوله في وصفهم كثيرة شحم بطونهم قليلة فقه قلوبهم وقع بالرفع على الصفة ويجوز النصب وأنث الشحم والفقه لاضافتهما إلى البطون والقلوب والتأنيث يسري من المضاف إليه إلى المضاف أو أنث بتأويل شحم بشحوم وفقه بفهوم (قوله باب قول الله تعالى كل يوم هو في شأن) تقدم ما جاء في تفسيرها في سورة الرحمن في التفسير (قوله وما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث وقوله لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا وان حدثه لا يشبه حدث المخلوقين لقوله ليس كمثله شئ وهو السميع البصير) قال ابن بطال غرض البخاري الفرق بين وصف كلام الله تعالى بأنه مخلوق وبين وصفه بأنه محدث فأحال وصفه بالخلق وأجاز وصفه بالحدث اعتمادا على الآية وهذا قول بعض المعتزلة وأهل الظاهر وهو خطأ لان الذكر الموصوف في الآية بالاحداث ليس هو نفس كلامه تعالى لقيام الدليل على أن محدثا ومنشأ ومخترعا ومخلوقا ألفاظ مترادفه على معنى واحد فإذا لم يجز وصف كلامه القائم بذاته تعالى بأنه مخلوق لم يجز وصفه بأنه محدث وإذا كان كذلك فالذكر الموصوف في الآية بأنه محدث هو الرسول لان الله تعالى قد سماه في قوله تعالى قد أنزل الله إليكم ذكرا رسولا فيكون المعنى ما يأتيهم من رسول محدث ويحتمل أن يكون المراد بالذكر هنا وعظ الرسول إياهم وتحذيره من المعاصي فسماه ذكرا وأضافه إليه إذ هو فاعله ومقدر رسوله على اكتسابه وقال بعضهم في هذه الآية ان مرجع الاحداث إلى الاتيان لا إلى الذكر القديم لان نزول القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم كان شيئا بعد شئ فكان نزوله يحدث حينا بعد حين كما أن العالم يعلم ما لا يعلمه الجاهل فإذا علمه الجاهل حدث عنده العلم ولم يكن احداثه عند التعلم احداث عين المعلم (قلت) والاحتمال الأخير أقرب إلى مراد البخاري لما قدمت قبل أن مبنى هذه التراجم عنده على اثبات أن أفعال العباد مخلوقة ومراده هنا الحدث بالنسبة للانزال وبذلك جزم ابن المنير ومن تبعه وقال الكرماني صفات الله تعالى سلبية ووجودية وإضافية فالأولى هي التنزيهات والثانية هي القديمة والثالثة الخلق والرزق وهي حادثة
(٤١٤)