المذكورة في الآية معنى لاستواء جميع الخلق في سماعه من غير الله فبطل قول الجهمية انه مخلوق في غير الله ويلزمهم في قولهم إن الله خلق كلاما في شجرة كلم به موسى ان يكون من سمع كلام الله من ملك أو نبي أفضل في سماع الكلام من موسى ويلزمهم أن تكون الشجرة هي المتكلمة بما ذكر الله انه كلم به موسى وهو قوله انني انا الله لا اله الا انا فاعبدني وقد أنكر الله تعالى قول المشركين ان هذا الا قول البشر ولا يعترض بقوله تعالى انه لقول رسول كريم لان معناه قول تلقاه عن رسول كريم كقوله تعالى فأجره حتى يسمع كلام الله ولا بقوله انا جعلناه قرآنا عربيا لان معناه سميناه قرآنا وهو كقوله وتجعلون رزقكم انكم تكذبون وقوله ويجعلون لله ما يكرهون وقوله ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث فالمراد أن تنزيله إلينا هو المحدث لا الذكر نفسه وبهذا احتج الإمام أحمد ثم ساق البيهقي حديث نيار بكسر النون وتخفيف التحتانية ابن مكرم ان أبا بكر قرأ عليهم سورة الروم فقالوا هذا كلامك أو كلام صاحبك قال ليس كلامي ولا كلام صاحبي ولكنه كلام الله وأصل هذا الحديث أخرجه الترمذي مصححا وعن علي بن أبي طالب ما حكمت مخلوقا ما حكمت الا القرآن ومن طريق سفيان بن عيينة سمعت عمرو بن دينار وغيره من مشيختنا يقولون القرآن كلام الله ليس بمخلوق وقال ابن حزم في الملل والنحل أجمع أهل الاسلام على أن الله تعالى كلم موسى وعلى ان القرآن كلام الله وكذا غيره من الكتب المنزلة والصحف ثم اختلفوا فقالت المعتزلة ان كلام الله صفة فعل مخلوقة وانه كلم موسى بكلام أحدثه في الشجرة وقال أحمد ومن تبعه كلام الله هو علمه لم يزل وليس بمخلوق وقالت الأشعرية كلام الله صفة ذات لم يزل وليس بمخلوق وهو غير علم الله وليس لله الا كلام واحد واحتج لأحمد بأن الدلائل القاطعة قامت على أن الله لا يشبهه شئ من خلقه بوجه من الوجوه فلما كان كلامنا غيرنا وكان مخلوقا وجب ان يكون كلامه سبحانه وتعالى ليس غيره وليس مخلوقا وأطال في الرد على المخالفين لذلك وقال غيره اختلفوا فقالت الجهمية والمعتزلة وبعض الزيدية والامامية وبعض الخوارج كلام الله مخلوق خلقه بمشيئته وقدرته في بعض الأجسام كالشجرة حين كلم موسى وحقيقته قولهم إن الله لا يتكلم وان نسب إليه ذلك فبطريق المجاز وقالت المعتزلة يتكلم حقيقة لكن يخلق ذلك الكلام في غيره وقالت الكلابية الكلام صفة واحدة قديمة العين لازمة لذات الله كالحياة وانه لا يتكلم بمشيئته وقدرته وتكليمه لمن كلمه انما هو خلق إدراك له يسمع به الكلام ونداءه لموسى لم يزل لكنه أسمعه ذلك النداء حين ناجاه ويحكى عن أبي منصور الماتريدي من الحنفية نحوه لكن قال خلق صوتا حين ناداه فأسمعه كلامه وزعم بعضهم ان هذا هو مراد السلف الذين قالوا إن القرآن ليس بمخلوق وأخذ بقول ابن كلاب القابسي والأشعري وأتباعهما وقالوا إذا كان الكلام قديما لعينه لازما لذات الرب وثبت أنه ليس بمخلوق فالحروف ليست قديمة لأنها متعاقبة وما كان مسبوقا بغيره لم يكن قديما والكلام القديم معنى قائم بالذات لا يتعدد ولا يتجزأ بل هو معنى واحد ان عبر عنه بالعربية فهو قرآن أو بالعبرانية فهو توراة مثلا وذهب بعض الحنابلة وغيرهم إلى أن القرآن العربي كلام الله وكذا التوراة وان الله لم يزل متكلما إذا شاء وانه تكلم بحروف القرآن وأسمع من شاء من الملائكة والأنبياء صوته وقالوا ان هذه الحروف والأصوات قديمة العين لازمة الذات ليس متعاقبا بل لم تزل قائمة بذاته مقترنة لا تسبق والتعاقب انما يكون في حق المخلوق
(٣٨٠)