بخلاف الخالق وذهب أكثر هؤلاء إلى أن الأصوات والحروف هي المسموعة من القارئين وأبي ذلك كثير منهم فقالوا ليست هي المسموعة من القارئين وذهب بعضهم إلى أنه متكلم بالقرآن العربي بمشيئته وقدرته بالحروف والأصوات القائمة بذاته وهو غير مخلوق لكنه في الأزل لم يتكلم لامتناع وجود الحادث في الأزل فكلامه حادث في ذاته لا محدث وذهب الكرامية إلى أنه حادث في ذاته ومحدث وذكر الفخر الرازي في المطالب العالية أن قول من قال إنه تعالى متكلم بكلام يقوم بذاته وبمشيئته واختياره هو أصح الأقوال نقلا وعقلا وأطال في تقرير ذلك والمحفوظ عن جمهور السلف ترك الخوض في ذلك والتعمق فيه والاقتصار على القول بأن القرآن كلام الله وانه غير مخلوق ثم السكوت عما وراء ذلك وسيأتي الكلام على مسئلة اللفظ حيث ذكره المصنف بعد إن شاء الله تعالى (قوله وقال جل ذكره من ذا الذي يشفع عنده الا بإذنه) زعم ابن بطال إلى أنه أشار بذلك إلى سبب النزول لأنه جاء انهم لما قالوا شفعاؤنا عند الله الأصنام نزلت فأعلم الله ان الذين يشفعون عنده من الملائكة والأنبياء انما يشفعون فيمن يشفعون فيه بعد اذنه لهم في ذلك انتهى ولم أقف على نقل في هذه الآية بخصوصها وأظن البخاري أشار بهذا إلى ترجيح قول من قال إن الضمير في قوله عن قلوبهم للملائكة وان فاعل الشفاعة في قوله ولا تنفع الشفاعة هم الملائكة بدليل قوله بعد وصف الملائكة ولا يشفعون الا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون بخلاف قول من زعم أن الضمير للكفار المذكورين في قوله تعالى ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه كما نقله بعض المفسرين وزعم أن المراد بالتفزيع حالة مفارقة الحياة ويكون اتباعهم إياه مستصحبا إلى يوم القيامة على طريق المجاز والجملة من قوله قل ادعوا إلى آخره معترضة وحمل هذا القائل على هذا الزعم ان قوله حتى إذا فزع عن قلوبهم غاية لا بد لها من مغيا فادعى انه ما ذكره وقال بعض المفسرين في المعتزلة المراد بالزعم الكفر في قوله تعالى زعمتم أي تماديتم في الكفر إلى غاية التفزيع ثم تركتم زعمكم وقلتم قال الحق وفيه التفات من الخطاب إلى الغيبة ويفهم من سياق الكلام ان هناك فزعا ممن يرجو الشفاعة هل يؤذن له في الشفاعة أولا فكأنه قال يتربصون زمانا فزعين حتى إذا كشف الفزع عن الجميع بكلام يقول الله في إطلاق الاذن تباشروا بذلك وسأل بعضهم بعضا ماذا قال ربكم قالوا الحق أي القول الحق وهو الاذن في الشفاعة لمن ارتضى (قلت) وجميع ذلك مخالف لهذا الحديث الصحيح والأحاديث كثيرة تؤيده قد ذكرت بعضها في تفسير سورة سبأ وسأشير إليها هنا بعد والصحيح في اعرابها ما قاله ابن عطية وهو ان المغيا محذوف كأنه قيل ولا هم شفعاء كما تزعمون بل هم عنده ممتثلون لامره إلى أن يزول الفزع عن قلوبهم والمراد بهم الملائكة وهو المطابق للأحاديث الواردة في ذلك فهو المعتمد واما اعتراض من تعقبه بأنهم لم يزالوا منقادين فلا يلزم منه دفع ما تأوله لكن حق العبارة أن يقول بل هم خاضعون لامره مرتقبون لما يأتيهم من قبله خائفون ان يكون ذلك من أمر الساعة إلى أن يكشف عنهم ذلك بأخبار جبريل بما أمر به من ابلاغ الوحي للرسل وبالله التوفيق ثم ذكر فيه ستة أحاديث * الحديث الأول (قوله وقال مسروق عن ابن مسعود إذا تكلم الله تبارك وتعالى بالوحي سمع أهل السماوات فإذا فزع عن قلوبهم وسكن الصوت عرفوا انه الحق ونادوا ماذا قال ربكم قالوا الحق) ووقع في رواية الكشميهني وثبت بمثلثة وموحدة مفتوحتين بدل وسكن هكذا ذكر هذا التعليق
(٣٨١)