لا اشعار للآية بشئ منه وانما المذكور في الآية مشيئة الاستقامة كسبا وهو المطلوب من العباد وقالوا في قوله تعالى تؤتي الملك من تشاء أي يعطي من اقتضته الحكمة الملك يريدون ان الحكمة تقتضي رعاية المصلحة ويدعون وجوب ذلك على الله تعالى الله عن قولهم وظاهر الآية ان يعطي الملك من يشاء سواء كان متصفا بصفات من يصلح للملك أم لا من غير رعاية استحقاق ولا وجوب ولا أصلح بل يؤتي الملك من يكفر به ويكفر نعمته حتى يهلكه ككثير من الكفار مثل نمرود والفراعنة ويؤته إذا شاء من يؤمن به ويدعو إلى دينه ويرحم به الخلق مثل يوسف وداود وسليمان وحكمته في كلا الامرين علمه واحكامه بإرادته تخصيص مقدوراته (قوله إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء قال سعيد بن المسيب عن أبيه نزلت في أبي طالب) تقدم موصولا بتمامه في تفسير سورة القصص وتقدم هناك شرحه مستوفى وبعضه في الجنائز وقالت المعتزلة في هذه الآية معنى لا تهدي من أحببت لأنك لا تعلم المطبوع على قلبه فيقرن به اللطف حتى يدعوه إلى القبول والله أعلم بالمهتدين القابلين لذلك وتعقب بان اللطف الذي يستندون إليه لا دليل عليه ومرادهم بمن يقبل ممن لا يقبل من يقع ذلك منه لذاته لا بحكم الله وانما المراد بقوله تعالى وهو أعلم بالمهتدين أي الذين خصصهم بذلك في الأزل (قوله يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) هذه الآية مما تمسك بها المعتزلة لقولهم فقالوا هذا يدل على أنه لا يريد المعصية وتعقب بأن معنى إرادة اليسر التخيير بين الصوم في السفر ومع المرض والافطار بشرطه وإرادة العسر المنفية الالزام بالصوم في السفر في جميع الحالات فالالزام هو الذي لا يقع لأنه لا يريده وبهذا تظهر الحكمة في تأخيرها عن الحديث المذكور والفصل بين آيات المشيئة وآيات الإرادة وقد تكرر ذكر الإرادة في القرآن في مواضع كثيرة أيضا وقد اتفق أهل السنة على أنه لا يقع الا ما يريده الله تعالى وانه مريد لجميع الكائنات وان لم يكن آمرا بها وقالت المعتزلة لا يريد الشر لأنه لو أراده لطلبه وزعموا أن الامر نفس الإرادة وشنعوا على أهل السنة أنه يلزمهم ان يقولوا ان الفحشاء مرادة لله وينبغي ان ينزه عنها وانفصل أهل السنة عن ذلك بأن الله تعالى قد يريد الشئ ليعاقب عليه ولثبوت انه خلق النار وخلق لها أهلا وخلق الجنة وخلق لها أهلا وألزموا المعتزلة بأنهم جعلوا انه يقع في ملكه ما لا يريد ويقال ان بعض أئمة السنة أحضر للمناظرة مع بعض أئمة المعتزلة فلما جلس المعتزلي قال سبحان من تنزه عن الفحشاء فقال السني سبحان من لا يقع في ملكه الا ما يشاء فقال المعتزلي أيشاء ربنا أن يعصي فقال السني أفيعصى ربنا قهرا فقال المعتزلي أرأيت أن منعني الهدى وقضى علي بالردى أحسن إلى أو أساء فقال السني إن كان منعك ما هو لك فقد أساء وإن كان منعك ما هو له فإنه يختص برحمته من يشاء فانقطع ثم ذكر البخاري بعد الحديث المعلق فيه سبعة عشر حديثا فيها كلها ذكر المشيئة وتقدمت كلها في أبواب متفرقة كما سأبينه * الحديث الأول حديث أنس إذا دعوتم الله فاعزموا في الدعاء أي اجزموا ولا ترددوا من عزمت على شئ إذا صممت على فعله وقيل عزم المسئلة الجزم بها من غير ضعف في الطلب وقيل هو حسن الظن بالله في الإجابة والحكمة فيه أن في التعليق صورة الاستغناء عن المطلوب منه وعن المطلوب وقوله لا مستكره له أي لان التعليق يوهم إمكان اعطائه على غير المشيئة وليس بعد المشيئة الا الاكراه والله لا مكره له وقد تقدم شرحه في كتاب الدعوات * الحديث الثاني حديث على وقد تقدم شرحه في كتاب التهجد وموضع الدلالة منه قول علي انما أنفسنا بيد الله
(٣٧٦)