وساق هنا من الحديث بعضه وأخرجه بتمامه في الأدب المفرد وكذا أخرجه أحمد وأبو يعلى والطبراني كلهم من طريق همام بن يحيى عن القاسم بن عبد الواحد المكي عن عبد الله بن محمد بن عقيل انه سمع جابر بن عبد الله يقول فذكر القصة وأول المتن المرفوع يحشر الله الناس يوم القيامة أو قال العباد عراة غرلا بهما قال قلنا وما بهما قال ليس معهم شئ ثم يناديهم فذكره وزاد بعد قوله الديان لا ينبغي لاحد من أهل النار ان يدخل النار وله عند أحد من أهل الجنة حق حتى أقصه منه ولا ينبغي لاحد من أهل الجنة ان يدخل الجنة ولاحد من أهل النار عنده حق حتى أقصه منه حتى اللطمة قال قلنا كيف وانا انما نأتي عراة بهما قال الحسنات والسيئات لفظ أحمد عن يزيد ابن هارون عن همام وعبيد الله بن محمد بن عقيل مختلف في الاحتجاج به وقد أشرت إلى ذكر من تابعه في كتاب العلم وقوله غرلا بضم المعجمة وسكون الراء وقد تقدم بيانه في الرقاق في شرح حديث ابن عباس وفيه حفاة بدل قوله بهما وهو بضم الموحدة وسكون الهاء قيل معناه الذين لا شئ معهم وقيل المجهولون وقيل المتشابهو الألوان والأول الموافق لما هنا (قوله فيناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب) حمله بعض الأئمة على مجاز الحذف أي يأمر من ينادي واستبعده بعض من أثبت الصوت بأن في قوله يسمعه من بعد إشارة إلى أنه ليس من المخلوقات لأنه لم يعهد مثل هذا فيهم وبأن الملائكة إذا سمعوه صعقوا كما سيأتي في الكلام على الحديث الذي بعده وإذا سمع بعضهم بعضا لم يصعقوا قال فعلى هذا فصوته صفة من صفات ذاته لا تشبه صوت غيره إذ ليس يوجد شئ من صفاته من صفات المخلوقين هكذا قرره المصنف في كتاب خلق أفعال العباد وقال غيره معنى يناديهم يقول وقوله بصوت أي مخلوق غير قائم بذاته والحكمة في كونه خارقا لعادة الأصوات المخلوقة المعتادة التي يظهر التفاوت في سماعها بين البعيد والقريب هي أن يعلم أن المسموع كلام الله كما أن موسى لما كلمه الله كان يسمعه من جميع الجهات وقال البيهقي الكلام ما ينطق به المتكلم وهو مستقر في نفسه كما جاء في حديث عمر يعني في قصة السقيفة وقد تقدم سياقه في كتاب الحدود وفيه وكنت زورت في نفسي مقالة وفي رواية هيأت في نفسي كلاما قال فسماه كلاما قبل التكلم به قال فإن كان المتكلم ذا مخارج سمع كلامه ذا حروف وأصوات وإن كان غير ذي مخارج فهو بخلاف ذلك والباري عز وجل ليس بذي مخارج فلا يكون كلامه بحروف وأصوات فإذا فهمه السامع تلاه بحروف وأصوات ثم ذكر حديث جابر عن عبد الله بن أنيس وقال اختلف الحفاظ في الاحتجاج بروايات ابن عقيل لسوء حفظه ولم يثبت لفظ الصوت في حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم غير حديثه فإن كان ثابتا فإنه يرجع إلى غيره كما في حديث ابن مسعود يعني الذي قبله وفي حديث أبي هريرة يعني الذي بعده ان الملائكة يسمعون عند حصول الوحي صوتا فيحتمل ان يكون الصوت للسماء أو للملك الآتي بالوحي أو لأجنحة الملائكة وإذا احتمل ذلك لم يكن نصا في المسئلة وأشار في موضع آخر ان الراوي أراد فينادي نداء فعبر عنه بقوله بصوت انتهى وهذا حاصل كلام من ينفي الصوت من الأئمة ويلزم منه ان الله لم يسمع أحدا من ملائكته ورسله كلامه بل ألهمهم إياه وحاصل الاحتجاج للنفي الرجوع إلى القياس على أصوات المخلوقين لأنها التي عهد أنها ذات مخارج ولا يخفى ما فيه إذ الصوت قد يكون من غير مخارج كما أن الرؤية قد تكون من غير اتصال أشعة كما سبق سلمنا لكن نمنع القياس
(٣٨٣)