ولا يسئل عما يفعل وقال الراغب يدل على أن الأمور كلها موقوفة على مشيئة الله وان أفعال العباد متعلقة بها وموقوفة عليها ما اجتمع الناس على تعليق الاستثناء به في جميع الأفعال وأخرج أبو نعيم في الحلية في ترجمة الزهري من طريق ابن أخي الزهري عن عمه قال كان عمر بن الخطاب يأمر برواية قصيدة لبيد التي يقول فيها ان تقوى ربنا خير نفل * وباذن الله ريثى وعجل احمد الله فلا ند له * بيديه الخير ما شاء فعل من هداه سبل الخير اهتدى * ناعم البال ومن شاء أضل وحرف النزاع بين المعتزلة وأهل السنة ان الإرادة عند أهل السنة تابعة للعلم وعندهم تابعة للامر ويدل لأهل السنة قوله تعالى يريد الله أن لا يجعل لهم حظا في الآخرة وقال ابن بطال غرض البخاري اثبات المشيئة والإرادة وهما بمعنى واحد وارادته صفة من صفات ذاته وزعم المعتزلة أنها صفة من صفات فعله وهو فاسد لان ارادته لو كانت محدثة لم يخل ان يحدثها في نفسه أو في غيره أو في كل منهما أو لا في شئ منهما والثاني والثالث محال لأنه ليس محلا للحوادث والثاني فاسد أيضا لأنه يلزم ان يكون الغير مريدا لها وبطل ان يكون الباري مريدا إذ المريد من صدرت منه الإرادة وهو الغير كما بطل ان يكون عالما إذا أحدث العلم في غيره وحقيقة المريد أن تكون الإرادة منه دون غيره والرابع باطل لأنه يستلزم قيامها بنفسها وإذا فسدت هذه الأقسام صح انه مريد بإرادة قديمة هي صفة قائمة بذاته ويكون تعلقها بما يصح كونه مرادا فما وقع بإرادته قال وهذه المسئلة مبنية على القول بأنه سبحانه خالق أفعال العباد وانهم لا يفعلون الا ما يشاء وقد دل على ذلك قوله وما تشاءون الا ان يشاء الله وغيرها من الآيات وقال ولو شاء الله ما اقتتلوا ثم اكد ذلك بقوله تعالى ولكن الله يفعل ما يريد فدل على أنه فعل اقتتالهم الواقع منهم لكونه مريدا له وإذا كان هو الفاعل لاقتتالهم فهو المريد لمشيئتهم والفاعل فثبت بهذه الآية ان كسب العباد انما هو بمشيئة الله وارادته ولو لم يرد وقوعه ما وقع وقال بعضهم الإرادة على قسمين إرادة أمر وتشريع وإرادة قضاء وتقدير فالأولى تتعلق بالطاعة والمعصية سواء وقعت أم لا والثانية شاملة لجميع الكائنات محيطة بجميع الحادثات طاعة ومعصية والى الأول الإشارة بقوله تعالى يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر والى الثاني الإشارة بقوله تعالى فمن يرد الله ان يهديه يشرح صدره للاسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا وفرق بعضهم بين الإرادة والرضا فقالوا يريد وقوع المعصية ولا يرضاها لقوله تعالى ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها الآية وقوله ولا يرضى لعباده الكفر وتمسكوا أيضا بقوله ولا يرضى لعباده الكفر وأجاب أهل السنة بما أخرجه الطبري وغيره بسند رجاله ثقات عن ابن عباس في قوله تعالى ان تكفروا فان الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر يعني بعباده الكفار الذين أراد الله ان يطهر قلوبهم بقولهم لا إله إلا الله فأراد عباده المخلصين الذين قال فيهم ان عبادي ليس لك عليهم سلطان فحبب إليهم الايمان وألزمهم كلمة التقوى شهادة ان لا إله إلا الله وقالت المعتزلة في قوله تعالى وما تشاؤون الا أن يشاء الله معناه وما تشاؤن الطاعة الا ان يشاء الله قسركم عليها وتعقب بأنه لو كان كذلك لما قال الا ان يشاء في موضع ما شاء لان حرف الشرط للاستقبال وصرف المشيئة إلى القسر تحريف
(٣٧٥)