فقلت: لأنكم إذا بنيتم أمر الإمامة أنتم ومن وافقكم أو وافقتموه على الاختيار من الأمة للامام على ظاهر عدالته وشجاعته وأمانته وسيرته، وليس معكم في الاختيار له إلا غلبة الظن الذي يمكن أن يظهر خلافه لكل من عمل عليه كما جرى للملائكة وهم أفضل اختيارا من بني آدم لما عارضوا الله جل جلاله في أنه جعل آدم خليفة وقالوا: (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك) فلما كشف لهم حال آدم عليه السلام رجعوا عن اختيارهم لعزل آدم وقالوا: (سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا)، وكما جرى لادم الاكل من الشجرة، وكما جرى لموسى عليه السلام في اختياره سبعين رجلا من خيار قومه للميقات ثم قال عنهم بعد ذلك: (أتهلكنا بما فعل السفهاء منا) حيث قالوا: (أرنا الله جهرة) وكما جرى ليعقوب عليه السلام في اختياره أولاده لحفظ ولده يوسف عليه السلام، وغيره من اختيار الأنبياء والأوصياء والأولياء وظهر لهم بعد ذلك الاختيار ضعف تلك الآراء.
فإذا كان هؤلاء المعصومون قد دخل عليهم في اختيارهم ما قد شهد به القرآن والاجماع من المسلمين، فكيف يكون اختيار غيرهم ممن يعرف من نفسه أنه ما مارس أبدا خلافة ولا إمارة ولا رياسة حتى يعرف شروطها وتفصيل مباشرتها فيستصلح لها من يقوم لها وما معه إلا ظن ضعيف بصلاح ظاهر من يختاره؟ وهل يقبل عقل عاقل لها وما معه إلا ظن ضعيف بصلاح ظاهر من يختاره؟ وهل يقبل عقل عاقل وفاضل أن قوما ما يعرفون مباشرة ولا مكاشفة تفصيل ما يحتاج إليه من يختارونه فيكون اختيارهم لامر لا يعرفونه حجة على من حضر وعلى من لم يحضر؟
أما هذا من الغلط المستنكر؟ ومن أين للذين يختارون إمامهم معرفة بتدبير الجيوش والعساكر وتدبير البلاد وعمارة الأرضين والاصلاح لاختلاف إرادات العالمين حتى يختاروا واحدا يقوم بما يجهلونه؟ إنا لله وإنا إليه راجعون