فبقي يعقوب متحيرا، وامتنع الكلام عليه، فما درى ما يقول، فقال له المهدي: لقد حل دمك، ولو آثرت إراقته لارقته، ولكن احبسوه في المطبق، فحبسوه، وأمر بأن يطوى عنه خبره وعن كل أحد سنتين وشهورا في أيام المهدي وجميع أيام الهادي موسى بن المهدي وخمس سنين وشهورا من أيام هارون الرشيد، ثم ذكر يحيى بن خالد البرمكي أمره وشفع فيه، فأمر بإخراجه، فاخرج وقد ذهب بصره، فأحسن إليه الرشيد، ورد إليه ماله وخيره المقام حيث يريد، فاختار مكة، فأذن له في ذلك، فأقام بها حتى مات سنة (187 ه). وقال عبد الله بن يعقوب بن داود: أخبرني أبي: أن المهدي حبسه في بئر وبنى عليه قبة، فمكث فيها خمس عشرة سنة، وكان يدلى له فيها كل يوم رغيف خبز وكوز ماء، ويؤذن بأوقات الصلاة. قال: فلما كان في رأس ثلاث عشرة سنة أتاني آت في منامي فقال [من البسيط]:
حنا على يوسف رب وأخرجه * من قعر جب وبيت حوله غمم قال: فحمدت الله تعالى، وقلت: أتاني الفرج، ثم مكثت حولا لا أرى شيئا، فلما كان رأس الحول الثاني أتاني ذلك الآتي فأنشدني [من الطويل].
عسى فرج يأتي به الله إنه * لم كل يوم في خليقته أمر قال: ثم أقمت حولا آخر لا أرى شيئا، ثم أتاني ذلك الآتي بعد الحول فقال [من الوافر]:
عسى الكرب الذي أمسيت فيه * يكون وراءه فرج قريب فيأمن خائف ويفك عان * ويأتي أهل النائي الغريب فلما أصبحت نوديت، فظننت أني اأذن بالصلاة، فدلي حبل أسود، فقيل لي اشدد به وسطك ففعلت، وأخرجت، فلما قابلت الضوء عشا بصري وانطلقوا بي، وأدخلت على الرشيد، فقيل لي: سلم على أمير المؤمنين، فقلت:
السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، المهدي، فقال الرشيد: لست