قال المهدي: وأصفح لك عن هذا فما حجتك في كتابك الذي أضل أهل الشقاق والنفاق ومن منهم في الأندية والأسواق يقرأونه ويتدارسونه في الآفاق:
(أما بعد أعلمكم أن الله جل وعز عدل لا يوالي الظالمين ولا يرضى فعال الجاهلين، وأنه ليس لله بولي من رضي بأحكام الجائرين، فسيحوا في الأرض حيث لا تنال لكم أيدي المعتدين، فإن بني العباس طغاة كفرة، أولياؤهم فسقة وأعوانهم ظلمة، دولتهم شر الدول، عجل الله بوارهم، وهدم منارهم، والعاقبة للمتقين).
قال جعفر: هذا والله بهتان عظيم جدا، قذفني به قاذف عمدا، وأنت تعلم أني ما خالفت لكم أمرا ولا غبت منكم أحدا، فاقبل المعذرة وأقل العثرة وتغمد الهفوة واغتفر الزلة فإنك راع مسؤول.
قال المهدي: أولم أبلغ أنك في الغوغاء تحثهم على شق العصا ومخالفة الامر وتحيدهم عن طاعة الخلفاء، فأي داهية أدهى منك.
قال جعفر: ما بلغت حقا، ولقد طوى النصيحة من أودع قلبك بهتانا وإفكا، فلا تقبل في قول من ظلم واعتدى وبفسادى إليك سعى، فإن الله جل وعز سائله يوم يود الظالم يا ليته لم يكن أميرا، ولا كان المضل له وزيرا.
قال المهدي: إنك لجاهل أن تقيم اعوجاجك بكثرة احتجاجك، هيهات لا يكدر صفوتي مزاجك، وقد قيل: من ظفر بحية لا يأمن لسعها ثم لم يشدخ رأسها كانت سبب حتفه، ولعمري إن من يكون له عدو مثلك يرقب غرته وينتظر فورته ولا يطلق يده بقلته لعاجز.
قال جعفر: وما بلغ لله بقدر النملة ونكاية النحلة وإنما يكتفي مثلي من مثلك بلحظة، فالكرماء رحماء بررة، والقسوة في اللئام الشررة.
قال المهدي: من تنته أيامه لاحت في الظلام أعلامه، وأسرع به أن يذوق حمامه، يا غلام سيفا قاطعا وضاربا حاذقا.