البلى محشر ولا للظالم موعد يخاف منه ويحذر، فاعمل من هذا ما شئت واستكثر.
قال المهدي: لا والذي بمكة بيته الحرام، وحوله الشعث العاكفون قيام، ما أخشى في إقامة الاحكام عليك وعلى أشباهك إثما ولا وزرا، فاستسلم للقتل ودع الكلام، فإنه إذا عقر الأساس تداعى النظام، وإذا انكسرت القوس تعطلت السهام، وأنت فطال ما أعنت على إطفاء النور بريح الظلام.
قال جعفر: اعف فإنك كريم جواد سامح، ولا تقبل في قول العدو الكاشح، فإني من الاسلام على الطريق الواضح، رفيق على أهله ولهم ناصح، أبر العالمين بفهم راجح، فلا تقدم علي بقول كلب نابح، فقتلك إياي عمل غير صالح.
قال المهدي: مذهبك واعتقادك تزعم أن الآخرة بعد فراق الساهرة، وأن الناس كانوا أعلاما زاهرة، وأشجارا ناضرة، وزروعا غاضرة، تلبث يسيرا ثم تعود هشيما، وإن من مات لا يعود كما أن ضوء المصباح إذا طفئ لا يرجع.
قال جعفر: لا والذي يخلق ويبيد، وهو أقرب إلينا من حبل الوريد، ما قلت ذلك وهو له شهيد، واني اخلص له التوحيد والتفريد والمشية والتحديد، وأشهد أنه الغفور الودود، يعلم منقلب العبيد.
قال المهدي: إن كنت تحب خلاص نفسك ورقبتك فأحضرني كتاب زندقتك الذي بالجهل ألفته وبالباطل زينته وبالضلال زخرفته، سميته اس الحكمة وبستان الفلسفة، زعمته مستخرجا من ديوان الالهام منظما بحسن الكلام، عنفت فيه الاسلام وأضللت فيه الأنام.
فقال جعفر: لا والذي خلق الظلمات والنور، ودبر الأمور وهو قادر على أن يبعث من في القبور، ما هذا إلا إفك مجترح وزور، وإن ديني لظاهر منير تقديمي ذرية من هو مع الله جل وعز في كل فرض لازم أمام النبيين في البيت المعمور، فاتق الذي خلقك وأمر عبادك قلدك يعلم خفيات الأمور.