تحتمل سماعها، وليتهم اكتفوا بكتمان الأخبار الصحيحة في هذا الشأن كما فعلوا مع كثير من الاخبار الأخرى ولم ينقلوا الاخبار المكذوبة بدلا من الأخبار الصحيحة ولم ينشروا الاخبار المختلقة بين الناس مع علمهم بكذبها، فإنهم كانوا يعلمون بكذب ما نسبه سيف إلى عمار وأبي ذر وابن مسعود وحجر بن عدي إلى عشرات غيرهم من الصحابة والتابعين في ما فتراه عليهم من أنهم اتبعوا يهوديا أمرهم بالافساد بين المسلمين وإيقاع الفتنة والفساد بينهم حتى قتل بعضهم البعض الآخر وهم لا يدركون ما يعملون!
على عقول من صدق هذه الخرافات. العفا، كيف يصدقون أن الخليفة عثمان لم ينتبه إلى هذا اليهودي على حد زعم سيف في إثارته الفتن؟ وكيف لم يسأل عمار وأبو ذر الامام عليا عما يدعو له هذا اليهودي من أنه وصي رسول الله (ص)؟ وكيف لم يسأله ربيبه محمد بن أبي بكر عن صدق مزعمة هذا اليهودي؟ لست أدري كيف يصدقون هذه الأكاذيب؟ ولست أزعم أن العلماء صدقوا بحديث سيف، كلا، فإنهم يعلمون كذب ما اختلقه وافتراه وإنما عجبي من عامة الناس كيف يصدقون هذه الأساطير الخرافية، فإن العلماء الذين نشروا أكاذيب سيف كانوا يعلمون كذبه وإنما تقبلوها لان الزنديق طلاها بطلاء الدفاع عن ذوي السلطة في ما انتقدوا عليه، مثل ما فعل في ما انتقد عليه خالد على قتله مالك بن نويرة ونكاحه زوجته في ليلته وفي ما رمي به المغيرة بن شعبة زمان إمارته على البصرة وفي خبر درء سعد بن أبي وقاص حد شرب الخمر عن أبي محجن وفي خبر الوليد وحده على شرب الخمر. إن سيف بن عمر عالج جميع ما انتقد عليه هؤلاء وغيرهم من الخلفاء والولاة وذويهم، فلم يهتم كبار العلماء عندئذ أن ينشروا ما افتراه هذا الزنديق على أبرار الصحابة الفقراء، أمثال ابن مسعود وأبي ذر وعمار تحت غطاء الدفاع عن أولئك لان المهم عندهم كتمان ما يعاب عليه الخلفاء والولاة وذووهم عن عامة الناس، وبنشر أكاذيب سيف بلغوا غايتهم وبلغ سيف - أيضا - غايته من تسخيف صحابة النبي الأبرار ونشر الأراجيف السخيفة في التاريخ الاسلامي بدافع الزندقة.
ويظهر من قول الطبري في ذكر سبب قتل عثمان: " فأعرضنا عن ذكر كثير منها لعلل دعت إلى الاعراض عنها ". إن العلل التي دعته إلى كتمان الأخبار الصحيحة، هي كتمان الاخبار التي يعاب به سلطة الخلافة عن عامة الناس، كما سبق لنا أن نقلنا منه أنه قال: " مما لا يتحمله عامة الناس ".
وخلاصة القول إن في هذا الصنف من الكتمان يحرفون حديث الرسول وسيرته وسيرة أهل بيته وأصحابه وأخبارهم الصحيحة ويبدلونها بأخبار مختلقة، كما فعل