الطاغية إلى جانب آخر تنذره بانتقاض شبه الجزيرة، وانقلاب العرب، واجتياح الاسلام، وتهدده بالمنافقين من أهل المدينة، وقد مردوا على النفاق، وبمن حولهم من الأعراب، وهم منافقون بنص الكتاب، بل هم أشد كفرا ونفاقا وأجدر أن لا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله، وقد قويت شوكتهم بفقده صلى الله عليه وآله وسلم، وأصبح المسلمون بعده كالغنم المطيرة في الليلة الشاتية، بين ذئاب عادية، ووحوش ضارية، ومسيلمة الكذاب، وطليحة بن خويلد الأفاك، وسجاح بنت الحرث الدجالة، وأصحابهم الرعاع الهمج، قائمون - في محق الاسلام وسحق المسلمين - على ساق، والرومان والأكاسرة والقياصرة وغيرهم، كانوا للمسلمين بالمرصاد إلى كثير من هذه العناصر الجياشة بكل حنق من محمد وآله وأصحابه، وبكل حقد وحسيكة لكلمة الاسلام تريد أن تنقض أساسها وتستأصل شأفتها، وأنها لنشيطة في ذلك مسرعة متعجلة، ترى الأمر قد استتب لها، والفرصة - بذهاب النبي إلى الرفيق الأعلى - قد حانت، فأرادت أن تسخر الفرصة، وتنتهز تلك الفوضى قبل أن يعود الاسلام إلى قوة وانتظام، فوقف علي بين هذين الخطرين، فكان من الطبيعي له أن يقدم حقه قربانا لحياة المسلمين (1)،
(٣٨٦)