في حفظ شرائعه على الآراء، من غير وصي يعهد بشؤون الدين والدنيا إليه، ونائب عنه يعتمد - في النيابة العامة - عليه، وحاشاه أن يترك يتاماه - وهم أهل الأرض في الطول والعرض - كالغنم المطيرة في الليلة الشاتية ليس لها من يرعاها حق رعايتها، ومعاذ الله أن يترك الوصية بعد أن أوحي بها إليه، فأمر أمته بها وضيق عليهم فيها. فالعقل لا يصغي إلى إنكار الوصية مهما كان منكرها جليلا، وقد أوصى رسول الله صلى الله عليه وآله، إلى علي في مبدأ الدعوة الاسلامية، قبل ظهورها في مكة حين أنزل الله سبحانه (وأنذر عشيرتك الأقربين) كما بيناه - في المراجعة 20 - ولم يزل بعد ذلك يكرر وصيته إليه، ويؤكدها المرة بعد المرة بعهوده التي أشرنا فيما سبق من هذا الكتاب إلى كثير منها، حتى أراد وهو محتضر - بأبي وأمي - أن يكتب وصيته إلى علي تأكيدا لعهوده اللفظية إليه، وتوثيقا لعرى نصوصه القولية عليه، فقال صلى الله عليه وآله: " ائتوني أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا، فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي. تنازع، فقالوا: هجر رسول الله (1) ( 783). ا؟. " وعندها علم (ص) أنه لم يبق - بعد كلمتهم هذه - أثر لذلك الكتاب إلا الفتنة، فقال لهم: قوموا واكتفى بعهوده اللفظية، ومع ذلك فقد أوصاهم عند موته بوصايا ثلاث: أن يولوا عليهم عليا، وأن يخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأن يجيزوا الوفد بنحو ما كان يجيزه، لكن السلطة والسياسة يومئذ ما أباحتا للمحدثين أن يحدثوا بوصيته الأولى، فزعموا أنهم نسوها.
قال البخاري في آخر الحديث المشتمل على قولهم هجر