فأخذ المنقار فضرب ضربة سمعنا لها طنينا شديدا في البر، وضرب ثانية فسمعنا طنينا أشد من ذلك ثم ضرب ثالثة فسمعنا أشد مما تقدم ثم صاح الغلام صيحة فقمنا وأشرفنا عليه وهم يستغيث فشدوه وأخرجوه بالحبل فإذا على يده من أطراف أصابعه إلى مرفقه دم فسألناه فلم يقدر على الجواب فحملناه على البغل، ورجعنا إلى الكوفة ولم يزل لحمه ينثر عن عضده وجسمه وسائر شقه الأيمن حتى انتهينا إلى عمي، فحدثناه بالصورة فالتفت إلى القبلة فتاب ومات الغلام من ساعته ثم وجه عمي من طم الموضع وعمل الصندوق عليه (يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون) نبشوا أيضا قبر الحسين (ع) وخربوا بنيانه ولم يزل المتوكل منذ عشرين سنة يأمر بذلك كما سيأتي وكان اللعين شديد البغض لعلي بن أبي طالب ولأهل بيته بحيث لو سمع أحدا يتولى عليا (ع) أهله يأمر بأخذ ماله والهدم وكان يستهزئ بعلي (ع)، ويستحربه ومن جملة ندمائه عبادة المخنث وهو يتمثل له مثال علي (ع) وكان يشد بطنه تحت ثيابه مخدة ويكشف رأسه وهو أصلع ويرقص بين يديه والمغنيون يغنون قد أقبل الأصلع البطين خليفة المسلمين واللعين يشرب ويضحك ففعل ذلك يوما وكان المنتصر حاضرا فأوما إلى عبادة يتهدده فسكت خوفا منه فقال المتوكل: ما حالك؟ فقام وأخبره فقال المنتصر:
يا أمير المؤمنين إن الذي يحكيه هذا الكلب ويضحك منه هو ابن عمك وشيخ أهل بيتك، وبه فخرك فكل لحمه أنت ما شئت ولا تطعم هذا الكلب وأمثاله منه.
فقال اللعين للمغنين، غنوا جميعا:
غار الفتى لابن عمه * رأس الفتى في حر أمه فهذا أحد الأسباب التي أستحل بها المنتصر قتل المتوكل.
وكان اللعين شديد الوطأة على آل أبي طالب، وشديد الغيظ والحقد عليهم واستعمل على المدينة ومكة عمرو ابن الفرج الرجحي وتقدم إليه بالإسائة إلى آل أبي طالب ومنع الناس من برهم، ولا يبلغه أحدا بره أحدا منهم بشئ، وان قل إلا أذاقه عقوبته واشتد الفقر والفاقة بآل علي (ع): والعلويات حتى لم يبق لهن إلا قميص واحد يكون بين جماعة من العلويات يصلين فيه واحدة بعد واحدة ثم ينزعنه ويجلسن إلى مغازلهن عواري حواسر إلى أن قتل المتوكل، فعطف المنتصر عليهم وأحسن إليهم، ووجه بمال وفرقه فيهم وهذا اللعين أمر بخراب قبر الحسين ومحو أثره وأرسل إبراهيم الديزج وكان