عهدي به، وخرج يحيى إلى المدائن وهي إذ ذاك طريق الناس إلى خراسان، وبلغ ذلك يوسف بن عمر فسرح في طلبه فخرج يحيى من المدائن حتى أتى الري ثم خرج من الري حتى أتى سرخس وأقام بها ستة أشهر، وأتاه أناس من المحكمة يسألونه أن يخرجوا معه ويقاتلون بني أمية. فعزم على ذلك لما رأى من نفاذ رأيهم فنهاه بعض من صحبه وقالوا له:
كيف تقاتل بقوم تريد أن تستنصر بهم على عدوك وهم يبرؤون من علي وأهل بيته فلم يطمأن إليهم غير إنه قال لهم جميلا، ثم خرج من سرخس فنزل بلخ على الجريش بن عبد الرحمن الشيباني فلم يزل عنده حتى هلك هشام بن عبد الملك (لع) وولي الوليد بن يزيد ابن عبد الملك في اليوم الذي هلك فيه هشام وكانت ولايته سنة وشهرين واثنين وعشرين يوما، وقتل (لع) وهو ابن أربعين سنة في يوم الخميس لليلتين بقيتا من جمادى الأخيرة وكان أبوه يزيد بن عبد الملك أراد أن يعهد إليه فلاستصغاره لسنة عهد إلى أخيه هشام ثم إلى الوليد من بعده، وكان الوليد (لع) صاحب شراب وغناء ولهو وطرب، وله الندماء والجلساء والمغنون، ولا يفارق من إحدى الثلاث أما الشراب، وأما القمار وأما الغناء وجاءه وفد من العرب فوافوا إلى باب داره فدخلوا الحجاب للاستيذان فرأوه في مجلس الشراب فقالوا: يا أمير المؤمنين إن الخلافة تجل عن هذه الأحوال قال اسقوهم عن آخرهم فأبوا فقال: اجعلوا القوارير في أفواههم وهم يسقونه اضطرارا حتى خروا سكرا.
وذكر الديمري في (حياة الحيوان) إن الوليد بن يزيد بن عبد الملك من شرار خلفاء بني أمية ولم يكن في بني أمية أكثر إدمانا للشراب والسماع ولا أشد تهتكا واستخفافا بأمر الأمة من الوليد بن يزيد وقد جاء في الحديث ليكونن في هذه الأمة رجل يقال له الوليد هو أشر من فرعون فتأولوه به يقال إنه واقع جارية له وهو سكران وجاءه المؤذنون يؤذنونه بالصلاة فحلف أن لا يصلي بالناس إلا هي فلبست ثيابه وتعممت بعمامته وتنكرت وصلت بالمسلمين وهي جنب سكرى، ويقال: إنه اصطنع بركة من خمر وكان إذا طرب القى نفسه فيها وشرب منها حتى يتبين النقص في أطرافها.
وحكى الماوردي إنه تفال يوما بالمصحف فخرج له قوله تعالى: (واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد) فمزق المصحف، وفي خبر رماه بسهم وأنشأ يقول اللعين:
أتوعد كل جبار عنيد * فها أنا ذاك جبار عنيد