وأنس وابن عازب ومجاهد وقتادة والضحاك أنه لما نزل تحريم الخمر والميسر قالت الصحابة: يا رسول الله ما تقول في إخواننا الذين مضوا وهم يشربون الخمر ويأكلون الميسر؟ فأنزلت هذه الآية، وقيل: إنها نزلت في القوم الذين حرموا على أنفسهم اللحوم وسلكوا طريق الترهب كعثمان بن مظعون وغيره فبين الله لهم أنه لا جناح في تناول المباح مع اجتناب المحرمات " إذا ما اتقوا " شربها بعد التحريم " وآمنوا " بالله " وعملوا الصالحات " أي الطاعات " ثم اتقوا " أي داموا على الاتقاء " وآمنوا " أي داموا على الايمان " ثم اتقوا " بفعل الفرائض " وأحسنوا " بفعل النوافل، وعلى هذا يكون الاتقاء الأول اتقاء الشرب بعد التحريم والاتقاء الثاني هو الدوام على ذلك، والاتقاء الثالث اتقاء جميع المعاصي وضم الاحسان إليه، وقيل: إن الاتقاء الأول هو اتقاء المعاصي العقلية التي يختص المكلف ولا يتعداه، والايمان الأول الايمان بالله تعالى، وبما أوجب الله الايمان به والايمان بقبح هذه المعاصي ووجوب تجنبها، والاتقاء الثاني هو الاتقاء عن المعاصي السمعية والايمان بقبحها ووجوب اجتنابها، والاتقاء الثالث يختص بمظالم العباد، وربما يتعدى إلى الغير من الظلم والفساد.
وقال أبو علي الجبائي: إن الشرط الأول يتعلق بالزمان الماضي والشرط الثاني يتعلق بالدوام على ذلك والاستمرار على فعله، والشرط الثالث يختص بمظالم العباد، ثم استدل على أن هذه الاتقاء يختص بالمظالم (1) بقوله: " وأحسنوا " فان الاحسان إذا كان متعديا وجب أن يكون المعاصي التي أمروا باتقائها قبله أيضا متعدية وهذا ضعيف لأنه لا تصريح في الآية بأن المراد به الاحسان المتعدي ولا يمتنع أن يريد بالاحسان فعل الحسن والمبالغة فيه وإن اختص الفاعل ولا يتعداه، كما يقولون لمن بالغ في فعل الحسن: أحسنت وأجملت، ثم لو سلم أن المراد به الاحسان المتعدي فلم لا يجوز أن يعطف فعل متعد على فعل لا يتعدى؟ ولو صرح سبحانه وقال: واتقوا القبائح كلها وأحسنوا إلى غيرهم لم يمتنع، ولعل أبا علي إنما عدل في الشرط