فقالوا: أنتم أشر من اليهود والنصارى والمجوس! لان هؤلاء يؤدون الجزية وأنت لا تؤدون.
فقال لهم أبي: إفتحوا لنا الباب وأنزلونا وخذوا منا الجزية كما تأخذون منهم، فقالوا: لا نفتح ولا كرامة لكم حتى تموتوا على ظهور دوابكم جياعا نياعا (1) أو تموت دوابكم تحتكم. فوعظهم أبي: فازدادوا عتوا ونشوزا (2).
قال: فثنى أبي رجله عن سرجه، ثم قال لي: مكانك يا جعفر لا تبرح، ثم صعد الجبل المطل على مدينة (مدين) وأهل مدين ينظرون إليه ما يصنع، فلما صار في أعلاه استقبل بوجهه المدينة وحده، ثم وضع إصبعيه في أذنيه، ثم نادى بأعلى صوته (والى مدين أخاهم شعيبا - إلى قوله - بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين) (3) نحن والله بقية الله في أرضه.
فأمر الله تعالى ريحا سوداء مظلمة، فهبت واحتملت صوت أبي، فطرحته في أسماع الرجال والنساء والصبيان، فما بقي أحد من الرجال والنساء والصبيان إلا صعد السطوح، وأبي مشرف عليهم، وصعد فيمن صعد شيخ من أهل (مدين) كبير السن، فنظر إلى أبي على الجبل، فنادى بأعلى صوته: اتقوا الله يا أهل (مدين) فإنه قد وقف الموقف الذي وقف فيه شعيب - عليه السلام - حين دعا على قومه، فان أنتم له تفتحوا له الباب ولم