أين أبوكما الذي كان أشد الناس شفقة عليكما فلا يدعكما تمشيان على الأرض؟ فإنا لله وانا إليه راجعون فقد والله جدكما وحبيب قلبي ولا أراه يفتح هذا الباب ابدا ولا يحملكما على عاتقه كما لم يزل يفعل بكما ثم مرضت مرضا شديدا ومكثت أربعين ليلة في مرضها إلى أن توفيت صلوات الله عليها فلما نعيت إليها نفسها دعت أم أيمن وأسماء بنت عميس ووجهت خلف علي وأحضرته فقالت يا بن عم انه قد نعيت إلى نفسي لأرى ما بي لا أشك إلا انني لاحقة بأبي ساعة بعد ساعة وانا أوصيك بأشياء في قلبي قال لها علي " عليه السلام ": أوصيني بما أحببت يا بنت رسول الله. فجلس عند رأسها واخرج من كان في البيت ثم قالت يا بن عم ما عهدتني كاذبة ولا خائنة ولا خالفتك منذ عاشرتني فقال " عليه السلام " معاذ الله أنت أعلم بالله وأبر وأتقى وأكرم وأشد خوفا من الله ان أوبخك غدا بمخالفتي فقد عز علي بمفارقتك وبفقدك إلا أنه أمر لابد منه والله جدد على مصيبة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد عظمت وفاتك وفقدك فانا لله وانا إليه راجعون من مصيبة ما أفجعها وألمها وأمضها وأحزنها هذه والله مصيبة لا عزاء عنها ورزية لا خلف لها ثم بكيا جميعا ساعة وأخذ على رأسها وضمها إلى صدره ثم قال أوصيني بما شئت فإنك تجديني وفيا أمضى كل ما أمرتني به واختار أمرك على أمري ثم قالت جزاك الله عنى خير الجزاء، يا بن عم أوصيك أولا أن تتزوج بعدي بابنة إمامة فإنها تكون لولدي مثلي فان الرجال لابد لهم من النساء قال فمن أجل ذلك، قال أمير المؤمنين " عليه السلام ": أربعة ليس إلى فراقهن سبيل: بنت امامة أوصتني بها فاطمة، ثم قالت أوصيك يا بن عم ان تتخذ لي نعشا فقد رأيت الملائكة صوروا صورته، فقال لها: صفيه إلي فوصفته فاتخذه لها، فأول نعش عمل في وجه الأرض ذلك، وما رأى أحد قبله ولا عمل أحد، ثم قالت أوصيك أن لا يشهد أحد جنازتي من هؤلاء الذين ظلموني، وأخذوا حقي فإنهم أعدائي وأعداء رسول الله (صلى الله عليه وآله) وان لا يصلى علي أحد منهم، ولا من اتباعهم، وادفني في الليل إذا هدأت العيون ونامت الابصار.
ثم توفيت صلوات الله عليها وعلى أبيها، وبعلها وبنيها فصاحت أهل المدينة صيحة واحدة واجتمعت نساء بني هاشم في دارها، فصرخن صرخة واحدة كادت المدينة ان تزعزع من صراخهن وهن يقلن: يا سيدتاه يا بنت رسول الله، واقبل الناس مثل عرف الفرس إلى علي " عليه السلام " وهو جالس، والحسن والحسين عليهما السلام بين يديه يبكيان