يصلي قاعدا أو قائما، وفى الصف إن شاء أو إلى جنب الامام (1) * فبطل ما تعلقوا به جملة، وظهر تناقض أبي حنيفة في أجازته أن يصلي
(1) ذهب كثير من علماء الحديث إلى أن صلاة المأموم قاعدا منسوخة، منهم البخاري في صحيحه (ج 1: ص 100) قال بعد حديث انس: (قال أبو عبد الله قال الحميدي: قوله: إذا صلى جالسا فصلوا جلوسا هو في مرضه القديم ثم صلى بعد ذلك النبي صلى الله عليه وسلم جالسا والناس خلفه قياما لم يأمرهم بالقعود، وإنما يؤخذ بالاخر فالاخر من فعل النبي صلى الله عليه وسلم) وادعى ابن حبان الاجماع على صلاة المأموم جالسا اتباعا لامامه، فقال فيما نقله الزيلعي في نصب الراية (ج 1: ص 248) (وفى هذا الخبر بيان واضح ان الامام إذا صلى قاعدا كان على المأمومين ان يصلوا قعودا، وأفتى به من الصحابة جابر بن عبد اللهوأبو هريرة وأسيد بن حضير وقيس بن قهد ولم يرو عن غيرهم من الصحابة خلاف هذا باسناد متصل ولا منقطع، فكان اجماعا، والاجماع عندنا اجماع الصحابة، وقد أفتى به من التابعين جابر بن زيد، ولم يرو عن غيره من التابعين خلافه، باسناد صحيح ولا واه، فكان اجماع من التابعين أيضا، وأول من أبطل ذلك في الأمة المغيرة بن مقسم، واخذ عنه حماد بن أبي سليمان ثم اخذه عن حماد أبو حنيفة ثم عنه أصحابه، واعلى حديث احتجوا به حديث رواه جابر الجعفي عن الشعبي قال عليه السلام: لا يؤمن أحد بعدي جالسا. وهذا لو صح اسناده لكان مرسلا، والمرسل عندنا وما لم يرو سيان، لأنا لو قبلنا ارسال تابعي وإن كان ثقة للزمنا قبول مثله عن اتباع التابعين، وإذا قبلنا لزمنا قبوله من اتباع اتباع التابعين ويؤدى ذلك إلى أن يقبل من كل أحد إذا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفى هذا نقض الشريعة والعجب أن أبا حنيفة يجرح جابر الجعفي ويكذبه ثم لما اضطره الامر جعل يحتج بحديثه) ثم كلام ابن حبان ودعوى النسخ يردها سياق أحاديث الامر بالقعود وألفاظها، فان تأكيد الامر بالقعود بأعلى ألفاظ التأكيد مع الانكار عليهم بأنهم كادوا يفعلون فعل فارس والروم -: يبعد معهما النسخ الا ان ورد نص صريح يدل على اعفائهم من الامر السابق وان علة التشبه بفعل الأعاجم زالت، وهيهات ان يوجد هذا النص، بل كل ما زعموه للنسخ هو حديث عائشة ولا يدل على شئ مما أرادوا. ثم إن في الأحاديث التصريح بايجاب صلاة المأموم قاعدا مع النص على أن هذا بناء على أن الامام إنما جعل ليؤتم به ولا يزال الامام اماما والمأموم ملزما بالائتمام به في كل افعال صلاته، وأمرنا بعدم الاختلاف عليه لأنه جنة للمصلين، ولا اختلاف أكثر من عدم متابعته في أركان الصلاة.
ويؤيد هذا ان النبي صلى الله عليه وسلم جعل اتباع الامام في الجلوس - إذا صلى جالسا - من طاعة الأئمة الواجبة ابدا - إذ هي من طاعة الله. فقد روى الطيالسي (ص 336 رقم 2577) والطحاوي من طريقه (ج 1: ص 235) عن شعبة عن يعلي بن عطاء قال: (سمعت أبا علقمة يحدث عن أبي هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع الأمير فقد أطاعني ومن عصى الأمير فقد عصاني، فان صلى قاعدا فصلوا قعودا) الحديث وهذا اسناد صحيح على شرط مسلم وقد اخرج الشيخان أوله. وهذا قوى في رد دعوى النسخ، والحمد لله على توفيقه