في قول أبي حنيفة ومحمد وعند أبي يوسف يكون فرقة بغير طلاق وهذا كله مذهب أصحابنا وقال الشافعي إذا أسلم أحد الزوجين وقعت الفرقة بنفس الاسلام غير أنه إن كان ذلك قبل الدخول تقع الفرقة للحال فاما بعد الدخول فلا تقع الفرقة حتى تمضي ثلاث حيض فان أسلم الآخر قبل مضيها فالنكاح بحاله وان لم يسلم بانت بمضيها أما الكلام مع الشافعي فوجه قوله إن كفر الزوج يمنع من نكاح المسلمة ابتداء حتى لا يجوز للكافر ان ينكح المسلمة وكذلك شرك المرأة وتمجسها مانع من نكاح المسلم ابتداء بدليل أنه لا يجوز للمسلم نكاح المشركة والمجوسية فإذا طرأ على النكاح يبطله فأشبه الطلاق (ولنا) اجماع الصحابة رضي الله عنهم فإنه روى أن رجلا من بنى تغلب أسلمت امرأته فعرض عمر رضي الله عنه عليه الاسلام فامتنع ففرق بينهما وكان ذلك بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم فيكون اجماعا ولو وقعت الفرقة بنفس الاسلام لما وقعت الحاجة إلى التفريق ولان الاسلام لا يجوز أن يكون مبطلا للنكاح لأنه عرف عاصما للاملاك فكيف يكون مبطلا لها ولا يجوز ان يبطل بالكفر أيضا لان الكفر كان موجودا منهما ولم يمنع ابتداء النكاح فلان لا يمنع البقاء وانه أسهل أولى الا انا لو بقينا النكاح بينهما لا تحصل المقاصد لان مقاصد النكاح لا تحصل الا بالاستفراش والكافر لا يمكن من استفراش المسلمة والمسلم لا يحل له استفراش المشركة والمجوسية لخبثهما فلم يكن في بقاء هذا النكاح فائدة فيفرق القاضي بينهما عند اباء الاسلام لان اليأس عن حصول المقاصد يحصل عنده وأما الكلام مع أصحابنا في كيفية الفرقة عند اباء الزوج الاسلام بعدما أسلمت امرأته المشركة أو المجوسية أو الكتابية فوجه قول أبى يوسف ان هذه فرقة يشترك في سببها الزوجان ويستويان فيه فان الاباء من كل واحد منهما سبب الفرقة ثم الفرقة الحاصلة بابائها فرقة بغير طلاق فكذا بابائه لاستوائهما في السببية كما إذا ملك أحدهما صاحبه ولهما ان الحاجة إلى التفريق عند الاباء لفوات مقاصد النكاح ولان مقاصد النكاح إذا لم تحصل لم يكن في بقاء النكاح فائدة فتقع الحاجة إلى التفريق والأصل في التفريق هو الزوج لان الملك له والقاضي ينوب منابه كما في الفرقة بالجب والعنة فكان الأصل في الفرقة هو فرقة الطلاق فيجعل طلاقا ما أمكن وفى اباء المرأة لا يمكن لأنها لا تملك الطلاق فيجعل فسخا ومنها ردة أحد الزوجين لان الردة بمنزلة الموت لأنها سبب مفض إليه والميت لا يكون محلا للنكاح ولهذا لم يجز نكاح المرتد لاحد في الابتداء فكذا في حال البقاء ولأنه لا عصمة مع الردة وملك النكاح لا يبقى مع زوال العصمة غير أن ردة المرأة تكون فرقة بغير طلاق بلا خلاف وأما ردة الرجل فهي فرقة بغير طلاق في قول أبي حنيفة وأبى يوسف وعند محمد فرقة بطلاق (وجه) قوله ظاهر لان الأصل ان الفرقة إذا حصلت بمعنى من قبل الزوج وأمكن ان تجعل طلاقا تجعل طلاقا لان الأصل في الفرقة هو فرقة الطلاق وأصل أبى يوسف ما ذكرنا انه فرقة حصلت بسبب يشترك فيه الزوجان لان الردة من كل واحد منهما سبب لثبوت الفرقة ثم الثابت بردتها فرقة بغير طلاق كذا بردته ولأبي حنيفة ان هذه الفرقة وإن كانت بسبب وجد من الرجل وهو ردته الا انه لا يمكن ان تجعل الردة طلاقا لأنها بمنزلة الموت وفرقة الموت لا تكون طلاقا لان الطلاق تصرف يختص بما يستفاد بالنكاح والفرقة الحاصلة بالردة فرقة واقعة بطريق التنافي لان الردة تنافى عصمة الملك وما كان طريقه التنافي لا يستفاد بملك النكاح فلا يكون طلاقا بخلاف الفرقة الحاصلة باباء الزوج لأنها تثبت بفوات مقاصد النكاح وثمراته وذلك مضاف إلى الزوج فيلزمه الامساك بالمعروف والا التسريح بالاحسان فإذا امتنع عنه ألزمه القاضي الطلاق الذي يحصل به التسريح بالاحسان كأنه طلق بنفسه والدليل على التفرقة بينهما ان فرقة الاباء لا تحصل الا بالقضاء وفرقة الردة تثبت بنفس الردة ليعلم أن ثبوتها بطريق التنافي ثم الفرقة بردة أحد الزوجين تثبت بنفس الردة فتثبت في الحال عندنا وعند الشافعي إن كان قبل الدخول فكذلك وإن كان بعد الدخول تتأجل الفرقة إلى مضى ثلاث حيض وهو على الاختلاف في اسلام أحد الزوجين هذا إذا ارتد أحد الزوجين فاما إذا ارتدا معا لا تقع الفرقة بينهما استحسانا حتى لو أسلما معا فهما على نكاحهما والقياس ان تقع الفرقة وهو قول زفر وجه القياس انه لو ارتد أحدهما لوقعت الفرقة
(٣٣٧)