سبحانه وتعالى التخيير بين الحكم والاعراض الا انه قام الدليل على نسخ التخيير ولا دليل على نسخ شرط المجئ فكان حكم الشرط باقيا ويحمل المطلق على المقيد لتعزر العمل بهما وامكان جعل المقيد بيانا للمطلق وأما في المسألة الثانية فلانه سبحانه وتعالى شرط مجيئهم للحكم عليهم فإذا جاء أحدهما دون الآخر فلم يوجد الشرط وهو مجيئهم فلا يحكم بينهم وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى مجوس هجر اما أن تذروا الربا أو تأذنوا بحرب من الله ورسوله ولم يكتب إليهم في أنكحتهم شيئا ولو كان التفريق مستحقا قبل المرافعة لكتب به كما كتب بترك الربا وروى أن المسلمين لما فتحوا بلاد فارس لم يتعرضوا لأنكحتهم وما روى أن عمر رضي الله عنه كتب أن يفرق بينهم وبين أمهاتهم لا يكاد يثبت لأنه لو ثبت لنقل على طريق الاستفاضة لتوفر الدواعي إلى نقلها فلما لم ينقل دل أنه لم يثبت أو يحمل على أنه كتب ثم رجع عنه ولم يعمل به ولان ترك التعرض والاعراض ثبت حقا لهما فإذا رفع أحدهما فقد أسقط حق نفسه فبقي حق الآخر (وجه) قول محمد أنه لما رفع أحدهما فقد رضى بحكم الاسلام فيلزم اجراء حكم الاسلام في حقه فيتعدى إلى الآخر كما إذا أسلم أحدهما الا أن أبا حنيفة يقول الرضا بالحكم ليس نظير الاسلام بدليل أنه لو رضى ثم رجع عنه قبل الحكم عليه لم يلزمه بحكم الاسلام وبعد ما أسلم لا يمكنه أن يأبى الرضا بأحكام الاسلام وإذا لم يكن ذلك أمرا لازما ضروريا فلا يتعدى إلى غيره وجعل رضاه في حق الغير كالعدم بخلاف الاسلام وذكر القاضي الإمام أبو زيد ان نكاح المحارم صحيح فيما بينهم في قول أبي حنيفة بدليل ان الذمي إذا تزوج بمحارمه ودخل بها لم يسقط احصانه عنده حتى لو قذفه انسان بالزنا بعد ما أسلم يحد قاذفه عنده ولو كان النكاح سدا لسقط احصانه لان الدخول في النكاح الفاسد يسقط الاحصان كما في سائر الأنكحة الفاسدة وكذلك لو ترافعا الينا فطلبت المرأة النفقة فان القاضي يقضى بالنفقة في قول أبي حنيفة فدل ان نكاح المحارم وقع صحيحا فيما بينهم في حكم الاسلام واتفقوا على أنه لو تزوج حر بي أختين في عقدة واحدة أو على التعاقب ثم فارق إحداهما قبل الاسلام ثم أسلم ان نكاح الباقية صحيح ومعلوم ان الباقي غير الثابت ولو وقع نكاحها فاسدا حال وقوعه لما أقر عليه بعد الاسلام وكذلك لو تزوج خمسا في عقد متفرقة ثم فارق الأولى منهن ثم أسلم بقي نكاح الأربع على الصحة ولو وقع فاسدا من الأصل لما انقلب صحيحا بالاسلام بل كان يتأكد الفساد فثبت ان هذه الأنكحة وقعت صحيحة في حقهم في حكم الاسلام ثم يفرق بينهما بعد الاسلام لأنه لا صحة لها في حق المسلمين ولو طلق الذمي امرأته ثلاثا أو خالعها ثم قام عليها كقيامه عليها قبل الطلاق يفرق بينهما وان لم يترافعا لأن العقد قد بطل بالطلقات الثلاث وبالخلع لأنه يدين بذلك فكان اقراره على قيامه عليها اقرارا على الزنا وهذا لا يجوز ولو تزوج ذمي ذمية على أن لا مهر لها وذلك في دينهم جائز صح ذلك ولا شئ لها في قول أبي حنيفة سواء دخل بها أو لم يدخل بها طلقها أو مات عنها أسلما أو أسلم أحدهما وعند أبي يوسف ومحمد لها مهر مثلها ثم إن طلقها بعد الدخول أو بعد الخلوة بها أو مات عنها تأكد ذلك وان طلقها قبل الدخول بها أو قبل الخلوة سقط مهر المثل ولها المتعة كالمسلمة ولو تزوج حربي حربية في دار الحرب على أن لا مهر لها جاز ذلك ولا شئ لها في قولهم جميعا والكلام في الجانبين على نحو ما ذكرنا في المسائل المتقدمة هما يقولان ان حكم الاسلام قد لزم الزوجين الذميين لالتزامهما أحكامنا ومن أحكامنا انه لا يجوز النكاح من غير مال بخلاف الحربيين لأنهما ما التزما أحكامنا وأبو حنيفة يقول إن في ديانتهم جواز النكاح بلا مهر ونحن أمرنا بأن نتركهم وما يدينون الا فيما وقع الاستثناء في عقودهم كالربا وهذا لم يقع الاستثناء عنه فلا نتعرض لهم ويكون جائزا في حقهم في حكم الاسلام كما يجوز لهم في حكم الاسلام تملك الخمور والخنازير وتمليكها هذا إذا تزوجها وبقى المهر فأما إذا تزوجها وسكت عن تسميته بأن تزوجها ولم يسم لها مهرا فلها مهر المثل في ظاهر رواية الأصل فإنه ذكر في الأصل ان الذمي إذا تزوج ذمية بميته أو دم أو بغير شئ ان النكاح جائز ولها مهر مثلها فظاهر قوله أو بغير شئ يشعر بالسكوت عن التسمية لا بالنفي فيدل على وجوب مهر المثل حال السكوت عن التسمية ففرق أبو حنيفة بين السكوت وبين النفي وحكى عن الكرخي أنه قال قياس قول أبي حنيفة انه
(٣١٢)