في حال حياة الزوجين فاما إن كان قبل الطلاق واما إن كان بعده فإن كان قبل الطلاق فإن كان الاختلاف في أصل التسمية يجب مهر المثل لان الواجب الأصلي في باب النكاح هو مهر المثل لأنه قيمة البضع وقيمة الشئ مثله من كل وجه فكان هو العدل وإنما التسمية تقدير لمهر المثل فإذا لم تثبت التسمية لوقوع الاختلاف فيها وجب المصير إلى الموجب الأصلي وإن كان الاختلاف في قدر المسمى أو جنسه أو نوعه أو صفته فالمهر لا يخلو اما أن يكون دينا واما أن يكون عينا فإن كان دينا فاما أن يكون من الأثمان المطلقة وهي الدراهم والدنانير واما إن كان من المكيلات والموزونات والمذروعات الموصوفة في الذمة فإن كان من الأثمان المطلقة فاختلفا في قدره بان قال الزوج تزوجتك على ألف درهم وقالت المرأة تزوجتني على الفين أو قال الزوج تزوجتك على مائة دينار وقالت المرأة على مائتي دينار تحالفا ويبدأ بيمين الزوج فان نكل أعطاها الفين وان حلف تحلف المرأة فان نكلت أخذت ألفا وان حلفت يحكم لها بمهر المثل إن كان مهر مثلها مثل ما قالت أو أكثر فلها ما قالت وإن كان مهر مثلها مثل ما قال الزوج أو أقل فلها ما قال وإن كان مهر مثلها أقل مما قالت وأكثر مما قال فلها مهر مثلها وهذا قول أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف لا يتحالفان والقول قول الزوج في هذا كله الا أن يأتي بمستنكر جدا والحاصل أن أبا حنيفة ومحمدا يحكمان مهر المثل وينهيان الامر إليه وأبو يوسف لا يحكمه بل يجعل القول قول الزوج مع يمينه الا أن يأتي بشئ مستنكر وقد اختلف في تفسير المستنكر قيل هو أن يدعى انه تزوجها على أقل من عشرة دراهم وهذا التفسير يروى عن أبي يوسف رحمه الله لان هذا القدر مستنكر شرعا إذ لا مهر في الشرع أقل من عشرة وقيل هو ان يدعى انه تزوجها على ما لا يزوج مثلها به عادة وهذا يحكى عن أبي الحسن لان ذلك مستنكر عرفا وهو الصحيح من التفسير لأنهما اختلفا في مقدار المهر المسمى وذلك اتفاق منهما على أصل المهر المسمى وما دون العشرة لم يعرف مهرا في الشرع بلا خلاف بين أصحابنا وقد روى عن أبي يوسف في المتبايعين إذا اختلفا في مقدار الثمن والسلعة هالكة ان القول قول المشترى ما لم يأت بشئ مستنكر وجه قول أبى يوسف أن القول قول المنكر في الشرع والمنكر هو الزوج لأن المرأة تدعى عليه زيادة مهر وهو ينكر ذلك فكان القول قوله مع يمينه كما في سائر المواضع والدليل عليه أن المتعاقدين في باب الإجارة إذا اختلفا في مقدار المسمى لا يحكم أجر المثل بل يكون القول قول المستأجر مع يمينه لما قلنا كذا هذا ولهما أن القول في الشرع والعقل قول من يشهد له الظاهر والظاهر يشهد لمن يوافق قوله مهر المثل لان الناس في العادات الجارية يقدرون المسمى بمهر المثل ويبنونه عليه لا برضا الزوج بالزيادة عليه والمرأة وأولياؤها لا يرضون بالنقصان عنه فكانت التسمية تقدير المهر المثل وبناء عليه فكان الظاهر شاهدا لمن يشهد له مهر المثل فيحكم مهر المثل فإن كان الفين فلها ذلك لأن الظاهر شاهد لها وإن كان أكثر من الفين لا يزاد عليه لأنها رضيت بالنقصان وإن كان مهر مثلها ألفا فلها الف لأن الظاهر شاهد للزوج وإن كان أقل من ذلك لا ينقص عن الف لان الزوج رضى بالزيادة وإن كان مهر مثلها أكثر مما قال وأقل مما قالت فلها مهر المثل لأنه هو الواجب الأصلي وإنما التسمية تقدير له لما قلنا فلا يعدل عنه الا عند ثبوت التسمية وصحتها فإذا لم يثبت لوقوع الاختلاف وجب الرجوع إلى الموجب الأصلي وتحكيمه وإنما يتحالفان لان كل واحد منهما مدعى من وجه ومنكر من وجه أما الزوج فلأن المرأة تدعى عليه زيادة الف وهو منكر وأما المرأة فلان الزوج يدعى عليها تسليم النفس عند تسليم الألف إليها وهي تنكر فكان كل واحد منهما مدعيا من وجه ومنكرا من وجه فيتحالفان لقوله صلى الله عليه وسلم واليمين على من أنكر ويبدأ بيمين الزوج لأنه أشد انكارا أو أسبق انكارا من المرأة لأنه منكر قبل تسليم النفس وبعده ولا انكار من المرأة بعد تسليم النفس وقبل التسليم هو أسبق انكارا لأن المرأة تقبض المهر أو لا ثم تسلم نفسها فتطالبه بأداء المهر إليها وهو ينكر فكان هو أسبق انكارا فكانت البداية بالتحليف منه أولى لما قلنا في اختلاف المتبايعين ذكر الكرخي التحالف في هذه الفصول الثلاثة وأنكر الجصاص التحالف الا في فصل واحد وهو ما إذا لم يشهد مهر المثل لدعواهما بأن كان مهر مثلها أكثر مما قال الزوج وأقل مما قالت المرأة وكذا في الجامع الصغير
(٣٠٥)