والشيخ الامام أبى بكر محمد بن الفضل البخاري انه لا يجوز ما لم يسمع نفسه وعن بشر بن غياث المريسي أنه قال إن كان بحال لو أدنى رجل صماخ أذنيه إلى فيه سمع كفى والا فلا ومنهم من ذكر في المسألة خلافا بين أبى يوسف ومحمد فقال على قول أبى يوسف يجوز وعلى قول محمد لا يجوز وجه قول الكرخي ان القراءة فعل اللسان وذلك بتحصيل الحروف ونظمها على وجه مخصوص وقد وجد فاما اسماعه نفسه فلا عبرة به لان السماع فعل الاذنين دون اللسان ألا ترى ان القراءة نجدها تتحقق من الأصم وإن كان لا يسمع نفسه وجه قول الفريق الثاني ان مطلق الامر بالقراءة ينصرف إلى المتعارف وقدر ما لا يسمع هو لو كان سميعا لم يعرف قراءة وجه قول بشر ان الكلام في العرف اسم لحروف منظومة دالة على ما في ضمير المتكلم وذلك لا يكون الا بصوت مسموع وما قاله الكرخي أقيس وأصح وذكر في كتاب الصلاة إشارة إليه فإنه قال إن شاء قرأ وان شاء جهر وأسمع نفسه ولو لم يحمل قوله قرأ في نفسه على إقامة الحروف لأدى إلى التكرار والإعادة الخالية عن الإفادة ولا عبرة بالعرف في الباب لان هذا أمر بينه وبين ربه فلا يعتبر فيه عرف الناس وعلى هذا الخلاف كل حكم تعلق بالنطق من البيع والنكاح والطلاق والعتاق والايلاء واليمين والاستثناء وغيرها والله أعلم (ومنها) الطمأنينة والقرار في الركوع والسجود وهذا قول أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف الطمأنينة مقدار تسبيحة واحدة فرض وبه أخذ الشافعي حتى لو ترك الطمأنينة جازت صلاته عند أبي حنيفة ومحمد وعند أبي يوسف والشافعي لا تجوز ولم يذكر هذا الخلاف في ظاهر الرواية وإنما ذكره المعلى في نوادره وعلى هذا الخلاف إذا ترك القومة التي بعد الركوع والقعدة التي بين السجدتين وروى الحسن عن أبي حنيفة فيمن لم يقم صلبه في الركوع إن كان إلى القيام أقرب منه إلى تمام الركوع لم يجزه وإن كان إلى تمام الركوع أقرب منه إلى القيام أجزأه إقامة للأكثر مقام الكل ولقب المسألة ان تعديل الأركان ليس بفرض عند أبي حنيفة ومحمد وعند أبي يوسف والشافعي فرض (احتجا) بحديث الاعرابي الذي دخل المسجد وأخف الصلاة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم قم فصل فإنك لم تصل هكذا ثلاث مرات فقال يا رسول الله لم أستطع غير ذلك فعلمني فقال له النبي صلى الله عليه وسلم إذا أردت الصلاة فتطهر كما أمرك الله تعالى واستقبل القبلة وقل الله أكبر وأقر ما معك من القرآن ثم اركع حتى يطمئن كل عضو منك ثم ارفع رأسك حتى تستقم قائما فالاستدلال بالحديث من ثلاثة أوجه أحدها انه أمره بالإعادة والإعادة لا تجب الا عند فساد الصلاة وفسادها بفوات الركن والثاني انه نفى كون المؤدى صلاة بقوله فإنك لم تصل والثالث انه أمره بالطمأنينة ومطلق الامر للفرضية وأبو حنيفة ومحمد احتجا لنفى الفرضية بقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا أمر بمطلق الركوع والسجود والركوع في اللغة هو الانحناء والميل يقال ركعت النخلة إذا مالت إلى الأرض والسجود هو التطأطؤ والخفض يقال سجدت النخلة إذا تطأطأت وسجدت الناقة إذا وضعت جرانها على الأرض وخفضت رأسها للرعي فإذا أتى بأصل الانحناء والوضع فقد امتثل بما ينطلق عليه الاسم فاما الطمأنينة فدوام على أصل الفعل والامر بالفعل لا يقتضى الدوام واما حديث الاعرابي فهو من الآحاد فلا يصلح ناسخا للكتاب ولكن يصلح مكملا فيحمل أمره بالاعتدال على الوجوب ونفيه الصلاة على نفى الكمال وتمكن النقصان الفاحش الذي يوجب عدمها من وجه وأمره بالإعادة على الوجوب جبرا للنقصان أو على الزجر عن المعاودة إلى مثله كالأمر بكسر دنان الخمر عند نزول تحريمها تكميلا للغرض على أن الحديث حجة عليهما فان النبي صلى الله عليه وسلم مكن الاعرابي من المضي في الصلاة في جميع المرات ولم يأمره بالقطع فلو لم تكن تلك الصلاة جائزة لكان الاشتغال بها عبثا إذ الصلاة لا يمضى في فاسدها فينبغي أن لا يمكنه منه ثم الطمأنينة في الركوع واجبة عند أبي حنيفة ومحمد كذا ذكره الكرخي حتى لو تركها ساهيا يلزمه سجود السهو وذكر أبو عبد الله الجرجاني انها سنة حتى لا يجب سجود السهو بتركها ساهيا وكذا القومة التي بين الركوع والسجود والقعدة التي بين السجدتين والصحيح ما ذكره الكرخي لان الطمأنينة من باب اكمال الركن واكمال الركن واجب كاكمال القراءة بالفاتحة ألا ترى ان النبي صلى الله عليه وسلم
(١٦٢)