فإن أنكر شخص في الكناية إرادة قذف بها صدق بيمينه لأنه أعرف بمراده فيحلف أنه ما أراد قذفه، قاله الماوردي ثم عليه التعزيز للايذاء. وقيده الماوردي بما إذا خرج لفظه مخرج السب والذم، وإلا فلا تعزير وهو ظاهر. وأما اللفظ الثالث وهو التعريض فكقوله لغيره في خصومة أو غيرها: يا ابن الحلال. وأما أنا فلست بزان ونحوه كليست أمي بزانية ولست ابن خباز أو اسكافي وما أحسن اسمك في الجيران فليس ذلك بقذف صريح ولا كناية، وإن نواه لأن النية إنما تؤثر إذا احتمل اللفظ المنوي وها هنا ليس في اللفظ إشعار به، وإنما يفهم بقرائن الأحوال فلا يؤثر فيه.
فاللفظ الذي يقصد به القذف إن لم يحتمل غيره فصريح وإلا فإن فهم منه القذف بوضعه فكناية وإلا فتعريض. وليس الرمي بإتيان البهائم قذفا والنسبة إلى غير الزنا من الكبائر وغيرها مما فيه إيذاء. كقوله لها زنيت بفلانة أو أصابتك فلانة. يقتضي التعزير للايذاء لا الحد لعدم ثبوته.
(وشرائطه) أي حد القذف (ثمانية ثلاثة منها) بل ستة (في القاذف) كما ستعرفه (وهو أن يكون بالغا عاقلا) فلا حد على صبي ومجنون لنفي الايذاء بقذفهما لعدم تكليفهما لكن يعزران، إذا كان لهما نوع تمييز. (و) الثالث (أن لا يكون والدا) أي أصلا (للمقذوف) فلا يحد أصل بقذف فرعه وإن سفل. والرابع كونه مختارا فلا حد على مكره بفتح الراء في القذف.
والخامس كونه ملتزما للأحكام فلا حد على حربي لعدم التزامه، والسادس كونه ممنوعا منه ليخرج ما لو أذن محصن لغيره في قذفه فلا حد كما صرح به في الزوائد.
تنبيه: قد علم من الاقتصار على هذه الشروط في القاذف عدم اشتراط إسلامه وحريته وهو كذلك. (وخمسة) منها (في المقذوف وهو أن يكون مسلما بالغا عاقلا حرا عفيفا) عن وطئ يحد به بأن لم يطأ أصلا أو وطئ وطئا لا يجد به كوطئ الشريك الأمة المشتركة لأن أضداد ذلك نقص. وفي الخبر: من أشرك بالله فليس بمحصن وإنما جعل الكافر محصنا في حد الزنا لأن حده إهانة له والحد بقذفه إكرام له واعتبرت العفة عن الزنا لأن من زنا لا يتعير به.
تنبيه: يرد على ما ذكر وطئ زوجته في دبرها فإنه تبطل له حصانته على الأصح مع أنه لا يحد به ويتصور الحد بقذف الكافر بأن يقذف مرتدا بزنا يضيفه إلى حال إسلامه. وبقذف المجنون بأن يقذفه بزنا يضيفه إلى حال إفاقته. وبقذف العبد بأن يقذفه بزنا يضيفه إلى حال حريته إذا طرأ عليه الرق. وصورته: فيما إذا أسلم الأسير ثم اختار الإمام فيه الرق. القول فيما تبطل به العفة وتبطل العفة المعتبرة في الاحصان بوطئ شخص وطئا حراما وإن لم يحد به كوطئ محرمة برضاع أو نسب كأخت مملوكة له مع علمه بالتحريم لدلالته على قلة مبالاته بالزنا بل غشيان المحارم أشد من غشيان الأجنبيات.
ولا تبطل العفة بوطئ حرام في نكاح صحيح كوطئ زوجته في عدة شبهة لأن التحريم عارض يزول،